الثورة الروسية وأزمات الديمقراطيات الليبرالية -ن 1-

الثورة الروسية وأزمات الديمقراطيات الليبرالية

الثانية باك آداب وعلوم انسانية ولغة عربية تعليم أصيل

النموذج الأول

مقدمة:  كانت روسيا القيصرية في بداية القرن الحالي قوة اقتصادية ذات بنية اقتصادية واجتماعية معقدة تتميز بسيطرة الإقطاع في مجال الفلاحة و الرأسمال الأجنبي في مجال الصناعة و الاستثمارات، وتعدد القوميات. ونهجت سياسة التوسع على حساب البلدان المجاورة. لكن انهزامها أمام اليابان في 1905 شكل بداية تدهور أوضاعها الداخلية، والتي تأزمت بدخولها الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول الوفاق. وخلال الحرب عرفت انقلابا تاريخيا بقيام الثورة البلشفية في 1917 بقيادة لينين الذي نهج سياسة مرحلية لتطبيق الاشتراكية.

 تمثـلـت أسباب الـثورة الروسية في تـدهور أوضاع البـلاد وأثر الحرب العالـمية الأولـى:

1): تدهور الأوضاع الداخلية: 

كانت روسيا قبل الثورة بلدا فلاحيا يسوده النظام الإقطاعي. وكان معظم السكان في البوادي 85% ، ومعظم الأراضي الزراعية تحت سيطرة فئة قليلة من الملاك الكبار(الكولاك، النبلاء، رجال الدين). ومع ارتفاع عدد السكان زاد بؤس الفلاحين.

وأدت بداية التصنيع في البلاد إلى ظهور طبقة عمالية فقيرة، حيث لم يوفر النظام القيصري ظروفا جيدة للعمال الذين كان عددهم يفوق 4,5 م عامل، مما زاد في عدد الساخطين على أوضاعهم المتمثلة في ضعف الأجور وكثرة ساعات العمل(من11 إلى13 ساعة في اليوم) واستخدام الأطفال والنساء من طرف أرباب العمل .

أما بالنسبة للسلطة المركزية، فقد كان القيصر نيكولا  II ضعيف الشخصية متردد في اتخاذ القرارات تحت تأثير زوجته المرتبطة ب(راسبوتين) أحد المشعوذين اليهود. وكان القيصر يعيش في وسط مغلق بعيدا عن الشعب، مما أدى إلى ظهور معارضة يتزعمها البرجوازيون الليبراليون المرتبطون بالرأسمال الأجنبي. ويطالبون بنظام ديموقراطي كالنظام الإنجليزي، ثم الثوريون بزعامة لينين منذ 1903، والذين انقسموا  في1912إلى المانشوفيك(الأقلية) و البلشفيك(الأغلبية) داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

2): أثر الحرب العالمية الأولى: 

ساهم في خطورة الوضعية خصوصا وأن روسيا لم تكن لها إمكانات عسكرية كافية لمواصلة الحرب. لأنها عاجزة عن تموين جيوشها وتجهيزهم بالأسلحة الحديثة وتأطيرهم عسكريا، حيث تم حشد الملايين من الفلاحين لا يرغبون في الحرب بل الانسحاب منها ، بعدما فقدوا الثقة في قياداتهم العليا، عندما انقطع تزويدهم بالمؤونة والذخيرة. وسببت الحرب في أزمة اقتصادية أثرت على السكان حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية من3 إلى8 أضعاف. وظهرت المجاعة بالمدن عندما أصبحت المواد الغذائية غير كافية و تباع بالبطاقات.

وكان هدف القيصر من الدخول في الحرب ع.1، هو تنفيذ المعاهدات المبرمة مع حلفائه وتشكيل جبهة داخلية موحدة، وتحويل أنظار السكان عن الصراعات و المشاكل الداخلية إلى الخارج، لكن النتيجة انعكست وعجلت الحرب بسقوطه.

 مرت الـثـورة البـلـشفية بمرحلـتين و وضعت حدا لحكم استبدادي حل محله نظام اشتراكي:

1): المرحلة الأولى:

تمثلت في قيام ثورة فبراير(مارس) 1917 وتأسيس حكومة برجوازية. وكان السبب المباشر لقيام هذه الثورة هو انخفاض الإنتاج الفلاحي وانتشار المجاعة، فقام السكان بمظاهرات في العاصمة بتروغراد، مطالبين بالخبز. وانظم إليهم الجنود حيث رفضوا إطلاق النار. وانطلقت المظاهرات بالمدن الأخرى فانتشرت الثورة، مما دفع القيصر إلى التنازل عن العرش. وبذلك انتهى حكم أسرة رومانوف. وتكونت حكومة مؤقتة برجوازية برئاسة الأمير لفوفLvov، مثل فيها كرينسكي وزارة العدل ثم الدفاع، والذي أصبح رئيسا للحكومة الثانية. واتخذت الحكومة البرجوازية بعض التدابير الليبرالية(حماية الملكية الخاصة، عدم إلغاء النظام القيصري رسميا، عدم الاهتمام بأوضاع العمال والفلاحين ومواصلة الحرب). وبذلك لم تأت بأية حلول للأزمة، مما جعل الثورة تمر إلى المرحلة الثانية.

2): المرحلة الثانية:

تمثلت في قيام ثورة أكتوبر(نونبر)1917 الاشتراكية؛ في الوقت الذي بذلت فيه الحكومة البرجوازية جهودها بدون نتيجة، عاد قادة البلاشفة من المنفى وعلى رأسهم لينين. وقاموا بنشر أفكارهم وتوعية الاشتراكيين المعتدلين الذين كانوا يسيطرون على مجالس السوفيات، بواسطة جريدة برافدا(الحقيقة) المؤسسة في1912. واستطاعوا تكوين الجيش الأحمر ونشر أفكارهم بين ضباط البحرية. وقاموا بأول محاولة للإطاحة بالحكومة المؤقتة، لكنها فشلت لسوء التنظيم والتخطيط، ففر لينين إلى فلندة. وبعد عودته وضع خطة محكمة للثورة المسلحة، فاستطاع الجيش الأحمر احتلال جميع المناطق المهمة بالعاصمة بتوروغراد صباح يوم 26 أكتوبر(8 نونبر). وفي نفس اليوم تأسست حكومة جديدة برئاسة لينين، مثل فيها تروتسكي وزارة الدفاع  و ستالين مكلف بشؤون القوميات. وبذلك نجحت الثورة الاشتراكية التي تم الدفاع عنها خلال الحرب الأهلية.

 دافــع البـلاشـــفة بقـيـادة ليـنـين عــن الثــورة الاشــتراكـية بعد نــجاحـها:

1): الانسحاب من الحرب ع.1 والقضاء على الحرب الأهلية:

وقع لينين معاهدة صلح مع ألمانيا(بريست ليتوفسك 1918) وبموجبها انسحبت روسيا من الحرب وتخلت عن فلندة وبولونيا وأكرانيا ومناطق البلطيق. وبذلك فقدت4/1 سكانها و 4/3 مناجم الفحم والحديد وذلك دفاعا عن الثورة والتمكن من القضاء على خصومها، الذين شكلوا الجيش الأبيض من كبار الضباط المؤيدين للقيصر. وحصلوا على المساعدات من طرف فرنسا وابريطانيا واليابان. وقد انتهت الحرب الأهلية بانتصار الجيش الأحمر، حيث طبق لينين مبدأ شيوعية الحرب أي تطبيق الاشتراكية بالقوة من أجل الدفاع عن الثورة بحيث أصبحت الدولة تأخذ فائض الإنتاج من الفلاحين بالقوة دون مقابل. وأممت المصانع التي أخذها العمال. وعملت الشرطة السرية(تشيكاtcheka) على إبادة واعتقال الخونة. لكن النتائج الاقتصادية كانت سلبية حيث انخفض الإنتاج الفلاحي بسبب تخلي الفلاحين  عن الأرض وإتلاف المحاصيل وقتل المواشي من طرف الملاك الكبار(الكولاك) حتى لا تستفيد منها الثورة. كما انخفض الإنتاج الصناعي بشكل كبير. وللخروج من الأزمة اتبع لينين سياسة اقتصادية جديدة تراجع فيها عن تطبيق الاشتراكية.

2)  السياسة الاقتصادية الجديدة N.E.P. 1921 -1928 

نهجها لينين عندما ظهر لدى الشعب اتجاه لرفض الشيوعية و التمسك بمجالس السوفيات. واقتنع بضرورة المرور من مرحلة انتقالية يستطيع الشعب خلالها قبول أساليب تطبيق الاشتراكية. ورجع إلى تطبيق الرأسمالية بشكل محدود حيث اكتفى بفرض الضرائب على الفلاحين الذين منحوا الحرية في بيع منتجاتهم وحق الإرث. وأعيدت المؤسسات الصناعية الصغرى لأصحابها وسمح للشركات بإدارة المعامل الكبرى دون تملكها. كما سمح بالاستثمارات الأجنبية تحت مراقبة الدولة. وأصبح الاقتصاد ينمو بموجب هذه السياسة، حيث ارتفع الإنتاج الصناعي والفلاحي واختفت المشاكل التي عانت منها البلاد. لكن هذه السياسة جعلت الاقتصاد يرتكز على قطاع عمومي وقطاع خاص، وأدت إلى ظهور طبقة انتهازية جديدة مثلها الكولاك بالبادية والاحتكاريون(النيبمن) بالمدن. واستمرت هذه السياسة  حتى بعد وفاة لينين في1924. وكانت سببا في الصراع بين تروتسكي و ستالين الذي وضع حدا لها في 1928.

3) ميلاد الاتحاد السوفياتي: 

بعد نجاح الثورة سمح للمستعمرات بتقرير مصيرها، فنشأت جمهوريات سوفياتية مستقلة. لكن تبلورت لديها فكرة الاتحاد خلال الحرب الأهلية، في ظل نظام اشتراكي يراعي خصوصيات الشعوب المختلفة نظرا لتعدد القوميات. وفي 1922 أعلن عن اتحاد فيدرالي من 4 جمهوريات(روسيا، أكرانيا، جورجيا، روسيا البيضاء). وبلغ عدد الجمهوريات المتحدة 6 في1924، ثم11 في1936  و15في1945. وعرف هذا الاتحاد باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتيةU.R.S.S.

 تميزت بداية عهد ستـالين بالـقـضاء على المـعارضة وتطبـيـق سيـاسة التخطـيط:

1)  القضاء على المعارضة:

بعد وفاة لينين، عمل ستالين على القضاء على معارضيه، الذين انقسموا إلى تيار يساري يتزعمه تروتسكي، وتيار يميني يتزعمه (زينوفييف و كامنيف). ويعود الخلاف بين تروتسكي وستالين إلى موقفهما من السياسة الاقتصادية الجديدة، حيث يعتبرها تروتسكي رجوعا إلى الرأسمالية. ويدافع عن نظريته القائلة بالثورة الدائمة أي بثها خارج روسيا لتصبح عالمية. أما ستالين فيرى ضرورة الدفاع عنN.E.P. كمرحلة أولى لأنها ساهمت في تطوير الاقتصاد وتبنى فكرة الثورة المستمرة على مراحل(أي توطيد النظام الاشتراكي داخل روسيا ثم تدويله). وللتخلص من تروتسكي تحالف ستالين من التيار اليميني وشكل  أغلبية داخل الحزب الشيوعي بفضل مركزه كأمين عام، وعزل تروتسكي من وزارة الدفاع1925، ثم من الحزب الشيوعي1927، ثم طرد من البلاد1929 والتجأ إلى المكسيك حيث تم اغتياله في 1940.  ثم تفرغ ستالين للتيار اليميني وقضى عليه.  وللقضاء على المعارضة التروتسكية وطبقة الانتهازيين، ألغى ستالين السياسة الاقتصادية الجديدة وطبق سياسة التخطيط.

2): سياسة التخطيط:

عرفت البلاد التخطيط من خلال المجلس الاقتصادي المؤسس سنة1918، ومن خلال لجنة التخطيط(الكوسبلان) المؤسسة في1928. والهدف من المخططات هو جعل البلاد قوة صناعية كبرى وتطبيق الاشتراكية اعتمادا على الإمكانات الداخلية.  وتميزت المخططات بالشمولية وإجبارية الإنجاز حسب التوجيهات وفي الوقت المحدد.

3): التصاميم الخماسية:  أنقل جدول التصاميم من الكتاب المدرسي ص.71.

خاتمة: ساهمت عوامل مختلفة في قيام الثورة البلشفية. وبعد نجاحها تشكل الاتحاد السوفياتي. وأصبح قوة اقتصادية وعسكرية كبرى. لكن تطور الأوضاع الداخلية في السنوات الأخيرة في اتجاه سلبي أدى إلى تفكك الاتحاد والتخلي عن الاشتراكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *