تلخيص الفصل الأول من كتاب “ظاهرة الشعر الحديث” للمجاطي

تلخيص الفصل الأول من كتاب “ظاهرة الشعر الحديث” للمجاطي

الفصل الأول: التطوّر التدريجي في الشعر العربي

يخرجُ دارس الشعر العربي بخلاصة مُفادها أنّ تطور هذا الشعر في عصوره المختلفة رهين بتوفر شرطين: أولهما الحرية، وثانيهما الاحتكاك بالثقافات الأجنبية، وقد توفّر شرطُ الاحتكاك بالثقافة اليونانية في العصر العباسي فأثمر شعراء من قبيل أبي تمام والمتنبي وأبي العلاء، كما أثمر في الأندلس الموشّحات، بيد أنّ شرط الحرية لم يكن متوفرا بالقدر الذي يساعد على التغيير والتطوير، وذلك لأن الشعراء اصطدموا بعلماء اللغة الذي شكلوا سدّا منيعا في وجه من يريد أن يغير ملامح الشعر القديم ويثور على عمود الشعر العربي.
ويرى الكاتب أنّ الشعر العربي الحديث عرف حركتين تجديديتين أسهمتا بقسطٍ وافر في تطوير الشعر والانتقال به من طورِ التقليد والمحاكاة إلى طور التجديد والتطوير:
الأولى هي حركة سؤال الذّات، التي استطاعت أن تُحدث تطورا تدريجيا نسبيا، نظرا لأنها واجهت وجودا عربيا لازال يحتفظ بسلطته .
والثانية هي حركة تكسير البنية التي أحدثت هزّة عنيفة وكان تجديدها قويا ، حيث استفادت من تبعات نكبة فلسطين التي منحت الشاعر قدرا من الحرية، كما استفادت من الانفتاح على الثقافات الأجنبية التي أعطت للشاعر منفذا جديدا للتعبير.
القسم الأول: نحو مضمون ذاتي
عمل شعراء إحياء النموذج في مرحلة سابقة على إحياء الشعر العربي من سُباته وركوده، من خلال نفض ما علق به من رواسب الانحطاط، سائرين على نهج القدماء لغةً وإيقاعا وتصويرا، ولم تولِ هذه الحركة اهتماما يُذكر لذات الشاعر وهمومه الشيء الذي استدعى نشوء حركة شعرية وُسمت ب “سؤال الذات”، حاولت إعادة الاعتبار لذات الشاعر التي همشها الإحيائيون، حيث جعلوا من الذات محور شعرهم، وأكثروا من البكاء والشكوى والهروب إلى الطبيعة، كما كان شعرهم طافحا بالنزعة الصوفية والنبرة التشاؤمية والتفلسف في الوجود. وقد أسهمت عدة عوامل في ظهور التيار الذاتي، أهمها: التحولات الاجتماعية التي عرفها المجتمع المصري في عشرينيات القرن العشرين، وصعود البورجوازية الصغيرة، إضافة إلى الالتحام بالحضارة الحديثة، والتأثر بالفكر الليبرالي الحر، والترجمة عن الشعر الغربي، خاصة كتاب “الغصن الذهبي ” لفريزر، وقد انقسم تيار سؤال الذّات إلى مدارس ثلاث، هي على التّوالي:
1-مدرسة الديوان:
بشَّرَ شعراء هذه الحركة بقيم جديدة تتناغم مع شعار العودة إلى الذّات، ومن أبرز من مثلها عبد الرحمان شكري، والعقّاد، والمازني، حيث التقى هؤلاء عند فكرة واحدة هي “الشعر وجدان” ، إلا أنّ مفهوم الوجدان اختلف عند كل واحد منهم؛ فهو عند العقاد “مزاج من الشعور والفكر”، وعند شكري “تأمّل في أعماق الذّات” ، أما عند المازني فهو “ما تفيض به النفس من شعور وعواطف وأحاسيس”، ونتجَ عن هذا الاختلاف في مفهوم الوجدان اختلاف في المضمون الشعري عند كل شاعر على حدة، فقد غلب على شعر العقاد الطابع الفكري، وتميز شعر شكري بالتأمل ، أما المازني فيطغى على شعره الانفعال ونزعة التشاؤم.
وعلى الرغم مما أحدثته هذا المدرسة من تطوير في المضامين الشعرية ، فإنّ شعراءَها لم يستطيعوا الذّهاب بتجربتهم الشعرية بعيدا، نظرا لهيمنة نزعة الحزن وظلمة التشاؤم وهو ما عجّل بنهاية هذه المدرسة وفشلها.
2- الرابطة القلمية (شعراء المهجر)
حاول شعراء المهجر توسيع مفهوم الوجدان ليشمل الحياة والكون والوجود، لكنّهم لم يُخلصوا لهذا المطلب واكتفوا بالهروب إلى الطبيعة ومقت عالم الناس واستنكار الحياة الاجتماعية؛ فقد هرب جبران إلى الغاب حيث الهدوء والسكينة والحياة الفطرية:

هل تَخِذْتَ الغابَ مثلي \\ منزلا دون القصور
وتتبَّعت السواقي \\ وتسلّقت الصخور
وشربت الفجر خمرا \\ في كؤوس من أثير
أما نُعيمة، فقد انقطع إلى التأمل في نفسه، مما جعل شعره يميل إلى الصوفية، في حين اختار إيليا أبو ماضي الاعتصام بالخيال والركون إلى القناعة والخنوع والاستسلام، كما هيمن على شعره الحزن الذي قاده إلى اليأس والتشاؤم، وفيما يخص نسيب عَريضة فاكتفى بالخروج إلى الغاب مستنكرا الحياة الاجتماعية.
وعموما هيمنت على أشعار هذه الحركة معاني اليأس والتردد والاستسلام والهروب، مما عجل باحتضارها.
3- جماعة أبوللو
انطلق شعراء هذه الحركة من فكرة مؤدّاها أنّ “الذّات هي مصدر ما يُنتَج من شعر”؛ حيث كان ظمأ إبراهيم ناجي إلى الحب ، ومرض أبي القاسم وهيامه بالطبيعة وتغنيه بالحرية، وفشل الصيرفي في الحب، هو السبب في أغلب أشعارهم الذّاتية،وفي المقابل كان شعر محمود طه حافلا بمظاهر البهجة والمسرة نظرا لخلو حياته من النكبات، في حينَ غلَبَ على أبي شادي مؤسس هذا المدرسة طابع الاضطراب والتقلّب وعدم الاطمئنان، وعموما فقد دار شعر هذه الحركة حول معاني الجمال والمرأة التي تعدّ سبب الشقاء والفرح، كما دارت رحاهُ أيضا حول اليأس المفضي إلى الموت، ولعل ما يُعاب على شعراء مدرسة أبوللو عزفهم على نفس الأوتار ونظمهم على نفس المضامين التي رثّت وبليت من كثرة التطرق إليها، وهو ما حبس مواهبهم في دائرة ضيّقة,
القسم الثاني: نحو مضمون ذاتي
إلى جانب التجديد المضموني، حاول شعراء التيار الوجداني التجديد في الشكل لغةً وإيقاعا وتصويرا؛ ففيما يخص اللغة فقد تخلصت من صلابتها وصرامتها المعهودة عند القدماء ولبست لباس الليونة واليسر والسهولة لتتماشى مع طبيعة التعبير عن الذات، كما اقتربت في أحيان كثيرة من لغة الحديث المألوف، كما عند العقاد في رثاء كلبه:
حزنا على بيجو تفيض الدموع
حزنا على بيجو تثور الضلوع
أما الإيقاع فقد جدّد فيه الرومانسيون نسبيا من خلال التنويع في القوافي وأحرف الروي داخل القصيدة الواحدة، مرجعين ذلك إلى تغير الأحاسيس وتقلّب الأفكار، وزادوا على ذلك بأن زاوجوا بين أوزان مختلفة داخل القصيدة الواحدة كما فعل أبو ماضي في قصيدة “المجنون” عندما جمع بين الرجز والهزج، واعتبر طه حسين ما فعله أبو ماضي جنونا وعبَثا.
أما الصورة الشعرية فقد صارت نابعة من الذّات ووليدة تجربة الشاعر النفسية أو الواقعية بعيدا عن الذاكرة الشعرية، وأصبحت تعبر عن رؤية االشاعر للحياة والكون والنفس، يقول إبراهيم ناجي:
ومشينا في طريق مقمرٍ \\\ تثبُ الفرحة فيه قبلنا
وضحكنا ضِحْكَ طفلين معا \\ فعدَونا فسبقنا ظلنا
فالصورة هنا تعبر عن فرحة الشاعر العارمة التي يعيشها مع محبوبته، وتصور إحساس النشوة الذي يعتريه، فهي صورة ناطقة بالفرح متلوّنة به .
وعموما كانت نهاية التيارات الذّاتية محزنة سواء على صعيد الشكل أو على صعيد المضمون، أما المضمون فلأنها اهتمت بالبكاء والأنين والشكوى والهروب، وأما الشكل فلأنها حاولت تغيير الشكل الجمالي للقصيدة القديمة فواجهت ضربات النقد المحافظ، ومهما يكن من أمر فقد استطاعت الرومانسية أن تخلخل الوجود التقليدي من خلال محاولاتها التجديدية فاتحة الباب أمام حركة الشعر الحديث(تكسير البنية) التي استفادت من نكبة فلسطين والانفتاح على الثقافة الغربية، مما هيأ أمامها الظروف للقيام بأكبر رَجّة وهزّة في تاريخ الشعر العربي.

إنجاز : سعيد بكور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *