التمييز بين الطبيعة والثقافة: مشكلة التمييز بين الطبيعة والثقافة

المحور الأول: التمييز بين الطبيعة والثقافة للجذع المشترك
موضوع: مشكلة التمييز بين الطبيعة والثقافة – مقرر في رحاب الفلسفة –
تحليل نص كلود ليفي ستراوس

مشكلة التمييز بين الطبيعة والثقافة:
إن التمييز بين الطبيعة وحالة المجتمع في غياب دلالة تاريخية مقبولة، يقدم قيمة منطقية تبرر بشكل تام استعماله كأداة منهجية من طرف علم الاجتماع الحديث، فالإنسان كائن بيولوجي، وهو في الآن ذاته فرد اجتماعي.ومن بين الاستجابات التي يقدمها للمثيرات الخارجية أو الداخلية، نجد بعضها يرجع كليا إلى طبيعة الإنسان بينما البعض الآخر يعود إلى وضعه الاجتماعي: وهكذا لن نجد أية صعوبة عند البحث عن مصدر الفعل المنعكس لرفة العين أو للوضعية التي تكون عليها يد الفارس بمجرد إمساكها بالعنان، لكن التمييز السابق ليس دائما أمرا سهلا: فأحيانا يستدعي المثير الفزيائي – البيولوجي والمثير النفسي – الاجتماعي، ردود أفعال من نمط واحد. ويمكن أنذاك أن نتساءل – كما فعل ” لوك ” من – قبل – هل خوف الطفل من الظلام يفسر بإرجاعه إلى طبيعته الحيوانية، أم إلى سماعه حكايات مربيته، أكثر من ذلك نجد في أغلب الحالات الأسباب غير متمايزة واقعيا، فجواب الذات كسلوك يعبر عن اندماج تام بين المصادر البيولوجية والمصادر الاجتماعية وينطبق هذا الأمر على موقف الأم اتجاه طفلها، أو على الانفعالات المعقدة لمشاهدة عرض عسكري.
إن نفي هذا التعارض، أو عدم تقدير قيمته، يمنع كل فهم للظواهر الاجتماعية، لكن عند إعطاء ذلك التعارض كامل بعده المنهجي، قد ننزلق إلى جعل مسألة الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة لغزا لا يمكن حله: فأين تنتهي الطبيعة؟ وأين تبدأ الثقافة؟ يمكن أن نتصور عدة طرق للإجابة عن هذا السؤال المزدوج، غير أنه اتضح إلى الآن أن كل هذه الطرق قد خيبت الآمال بشكل كبير…
لم يسمح إذن أي تحليل واقعي بادراك نقطة الانتقال من وقائع الطبيعة إلى وقائع الثقافة وآلية تمفصلهما، بيد أن النقاش السابق لم يفض بنا إلى هذه النتيجة السلبية فقط، بل أمدنا عن طريق وجود قاعدة أو غيابها في السلوكات تنفلت من التحديدات الغريزية بالمعيار الأكثر ملائمة للمواقف الاجتماعية، فحيث تبرز القاعدة، فنحن على يقين بأننا على صعيد نظام الثقافة وبصورة متماثلة، من السهل معرفة الكوني أو العام هو معيار الطبيعة، ذلك إن ما هو ثابت عند الإنسان ينفلت بالضرورة من مجال العادات، والتقاليد، والتقنيات، والمؤسسات التي عن طريقها تتمايز المجموعات وتتباين.
وفي غياب تحليل واقعي، فإن معياري القاعدة والكونية يقدمان مبدأ تحليل نظري يسمح في بعض الحالات وفي حدود معينة على الأقل، بعزل العناصر عن العناصر الثقافية التي تتدخل في تركيبات النظام الأكثر تعقيدا، لنقل إذن عن ما هو عام لدى الإنسان يعود إلى نظام الطبيعة ويتميز بالعفوية، وأن كل ما يخضع لقاعدة ينتمي على الثقافة ويتسم بصفات ما هو نسبي وما هو خاص.

ك.ل. ستراوس، البنى الأولية للقرابة، منشورات موتون ولاهاي، باريس 1967 صفحات 3 – 10.

التعريف بصاحب النص:
كلود ليفي ستراوس: هو مفكر أنثروبولوجي فرنسي معاصر، مولود في فبراير من سنة 1908 ولازال حيا يرزق إلى حدود اليوم، وهو من أكبر مفكري هذا العصر، تميز بتأسيسه للبنيوية كمنهج علمي ينتهجه الباحثون في شتى المجالات المعرفية (في الأنثربولوجيا، والدراسات اللسانية، والتحليل النفسي، والنقد الأدبي والفني…)، وقد وظف كلود ليفي ستراوس التحليل البنيوي في دراسة الثقافات والإثنولوجيا، له عدة كتب أهمها: “الأنثربولوجيا البنيوية”، و”الفكر المتوحش”، و”من النيئ إلى المطبوخ”، و”عرق وتاريخ” و”البنى الأولية للقرابة” …
فهم النص:
تتمحور الفكرة الرئيسية للنص حول صعوبة التمييز بين الطبيعة والثقافة، ذلك أن الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة ظل لغزا صعب الحل، وكل الطرق قد خيبت الآمال بشكل كبير في الحسم فيه، ولقد جعل كلود ليفي ستراوس معيار القاعدة وما هو عام أساسين اعتمد عليهما للتمييز بين الطبيعة والثقافة، حيث اعتبر أنه حين تظهر القاعدة فنحن على يقين بأننا على صعيد نظام الثقافة، كما أنه من السهل معرفة أن الكوني أو العام هو معيار الطبيعة.
يمكن القول بأن القاعدة تتميز في النص بثلاث خصائص:
– الانفلات مما هو غريزي إذ تعتبر ذات صبغة أخلاقية.
– النسبية: ذلك أنها قد توجد في هذا المجتمع وتغيب في مجتمعات أخرى.
– الخصوصية: إنها ترتبط بالعادات والتقاليد، والقوانين والمؤسسات الخاصة بمجتمع معين.
ما يمكن فهمه من هذه الجملة هو صعوبة الحسم في تفسير خوف الطفل إما طبيعيا أو ثقافيا، ذلك أن هناك تدخل بينهما في تفسير مثل هذه الأفعال.
خلاصة فهم النص:
يطرح مشكل التميز بين الطبيعة والثقافة عدة صعوبات نظرا للتداخل الموجود بينهما على مستوى السلوك البشري، لكن ستراوس اقترح معيار القاعدة و ما هو عام وكوني من أجل التميز بينهما.
إشكال النص:
ما الطبيعة؟
وما الثقافة؟
وكيف يمكننا أن نميز بينهما لنقول هذا فعل طبيعي في الإنساني وذاك فعل ثقافي فيه؟
موقف صاحب النص:
يرى كلود ليقي ستراوس أن مسألة التمييز بين ما هو طبيعي وما هو ثقافي في الإنسان مسألة صعبة وشائكة وذلك نظرا للتعقيد والتداخل الذي يميز الظواهر الإنسانية، وإن صاحب النص يقترح من أجل حل مشكلة التمييز بين الطبيعة والثقافة حلا يمثل في الاستناد إلى معيارين للتمييز هما: القاعدة والكونية، فكلما عثرنا على القواعد فهذا يعني أننا في إطار ما هو ثقافي، وبالعكس، كلما وجدنا أنفسنا أمام ما هو كوني فالأمر يتعلق بما هو طبيعي، وإذا كان الثقافي يتميز بالنسبة والخصوصية فإن الطبيعي يتميز بالكونية والعمومية والثبات.
المستوى المفاهيمي:
أ – الكلي: ما يشمل العالم كله بلا استثناء أو ثغرة، بحيث لا يعدو أن يكون ثمة شيء خارجها، وقد يعني كذلك المشترك بين العقول.
ب – النسبي: ما لا يمكن إقراره دون حصر أو تقييد، ما لا يكون مطلقا، ما لا يمكن وصفه (بأنه صحيح، دقيق، أكيد..إلخ)، إلا بالمقارنة مع متوسط الأشياء أو الكائنات من الجنس عينه.
ج – قاعدة: صيغة إشارة أو توصيف لما يتعين القيام به في حالة محددة، أمر أخلاقي، تعليم منطقي، معادلة تعطي طريقة حسابية، شروط مسلم بها كأنها واجبة في هذا النوع الفني أو ذاك.
المستوى التحليلي:
أطروحة النص:
إن السلوك الطبيعي والسلوك الثقافي في الإنسان منفصلان إلى الدرجة التي يصعب فيها التمييز بينهما، لكن يمكن أن نميزهما وإن بشكل محدود انطلاقا من معيار القاعدة والكونية.
أفكار النص:
– إن الأفعال الإنسانية يتداخل فيها ما هو نابع من طبيعة الإنسان الداخلية وما هو انعكاس لما يكتسبه من المجتمع.
– على الرغم من صعوبة التمييز بين الطبيعي والثقافي في السلوك الإنساني، فإنه لا يمنع من وجود معيار لتحديد كل منهما وهو معيار القاعدة والكونية، فما هو ثابت وجوهري ويشمل النوع البشري ككل فهو ينتمي إلى الطبيعة الإنسانية، في حين أن ما يشكل قاعدة للسلوك داخل المجتمع من عادات وتقاليد … فهو ينتمي إلى مجال الثقافة.
– يمكن عزل عناصر الطبيعة عن عناصر الثقافة انطلاقا من معياري الكونية والقاعدة، فما يتسم بالعمومية والعفوية في السلوك الإنساني فهو طبيعي، وما هو نسبي ومتغير من جماعة بشرية إلى أخرى فهو ثقافي.
المستوى الحجاجي:
لقد وظف صاحب النص مجموعة من الأساليب الحجاجية للدفاع عن أطروحته، ونذكر من بينها:

أ – أسلوب المقارنة: يقارن بين الأفعال الطبيعية في الإنسان والأفعال المكتسبة من المجتمع ويبرز أوجه التداخل بينهما ==> وظيفته: أراد من خلاله أن يبرز لنا صعوبة عزل الأفعال الطبيعية عن الأفعال الثقافية لدى الإنسان.
ب – أسلوب الاستشهاد: “ويمكن أنذاك أن نتساءل – كما فعل لوك….” ==> وظيفته: يستشهد من خلاله على صعوبة التمييز في الأفعال الإنسانية بين ما هو طبيعي وما هو ثقافي.
ج – أسلوب الاستفهام: “فأين تنتهي الطبيعة؟ وأين تبدأ الثقافة؟”==> وظيفته: يستفسر من خلاله على الأساس المعيار الذي يكن أن نتخذه كحل لإشكالية التمييز بين الطبيعة والثقافة.
خلاصة تركيبية للنصين:
إذا كان بيلز يقيم تمييزا بين الطبيعة والثقافة انطلاقا من تمييزه بين السلوكات التي يقوم بها الحيوان والتي تتسم بالتكرار وبين السلوك الإنساني الذي يتميز بالتنوع تبعا لتعدد الجماعات البشرية، فإن ليفي استراوس يبرز أن السلوكات الإنسانية ذاتها يتداخل فيها الطبيعي والثقافي، مما يؤدي إلى صعوبة الفصل بينهما، لكنه يقترح كحل لهذه الإشكالية أن يتم التمييز بين وقائع الطبيعة ووقائع الثقافة انطلاقا من معيار القاعدة والكونية.
خلاصة عامة للمحور الأول: التمييز بين الطبيعة والثقافة:
يثير هذا المحور إشكالية رئيسية تتعلق بمعيار التمييز بين ما هو طبيعي وما هو ثقافي.
فكيف يمكن التمييز بينهما؟
إن مفهوم الطبيعة يشير أساسا إلى هو غريزي وبيولوجي ومشترك بين الإنسان والحيوان، في حين يدل مفهوم الثقافة على ما هو مكتسب من معارف ومعتقدات وأنماط عيش مختلفة، غير أن السلوك الإنساني يتدخل فيه ما هو طبيعي وفطري مع ما هو ثقافي ومكتسب، وهو الأمر الذي يستلزم ضرورة وضع معيار للتمييز بينهما، وفي هذا الإطار اقترح كلود ليفي ستراوس معيار القاعدة وما هو عام من أجل التميز بين ما هو طبيعي وما هو ثقافي، هكذا فحضور القاعدة يجعلنا نكون أمام ما هو ثقافي، أما ما هو عام فيشير إلى الضروري والكوني.

3 تعليقات

  1. انه ااسوء شيء عرفته البشرية

  2. شيء جيد jayid ?

  3. رأي العلماء في مشكلة التمييز نينهما يشكل بالحد داته مطشكلا عويصا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *