نموذج من الشعر الجاهلي تحليل نص ورثنا المجد للأولى باك آداب وعلوم انسانية 

الشعر العربي القديم والتعبير عن الجماعة

نموذج من الشعر الجاهلي: تحليل نص ورثنا المجد للأولى باك آداب

  • التمهيد :

حين ننظر في الشعر العربي القديم و نتقصى أغراضه و نغوص في أعماقه ونتفحص فنونه، تدهشنا وفرة التعبير عن الجماعة، حتى لا نكاد نلمح فيه أثر الفردية، أو نسمع فيه الشاعر يتحدث عن شخصه، بل كان دائما يتغنى بأمجاد جماعته و مآثرها. وتتجلى مظاهر التعبير عن الجماعة في الشعر العربي القديم، غالبا، في عنصرين اثنين:
– الفخر بالجماعة: و الفخر ضرب من الحماسة و التغني بالفضائل و المناقب و المثل العليا و الزهو بالأفعال الطيبة كالشجاعة و الكرم و المروءة و حماية الجار و إغاثة الملهوف، وطيب المنبت و عراقة الأصل، فكان الشاعر بذلك لسان القبيلة و المعبر عن ضميرها، متجاوزا ذاته.
الدفاع عن الجماعة في مواجهة الخصوم: تروي لنا كتب التاريخ و الأدب أن القبائل في الجاهلية كانت تهنئ بعضها البعض إذا نبغ فيها شاعر ، فكان الشاعر يرى أن من حق جماعته عليه أن يضع لسانه في خدمتها و أن يحقق الأمل الذي عقده عليه قومه ، فلم يكن متفرجا على حياة الجماعة بل كان يفرح لفرحها و يغضب لغضبها و يأسى لأساها. و تختلف طبيعة الجماعة باختلاف مراحل تطور المجتمع العربي، ففي الجاهلية كانت قبيلة و في صدر الإسلام كانت الأمة إيمانا و عقيدة لتصبح في العصر الأموي انتماءا حزبيا و مذهبيا. و سندرس ثلاثة نماذج للعصور الثلاثة: الجاهلي، الإسلامي، الأموي. ونبدأ مع العصر الجاهلي، بقصيدة للشاعر عمرو بن كلثوم.
نوعية النص: النص الذي بين أيدينا قصيدة عمودية قيلت في الفخر، للشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم و هو يدافع عن قبيلته تغلب.
صاحب النص: هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب، أبو الأسود (توفي (584 م-39ه)، هو من بني تغلب. شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى، ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة وتجوّل فيها وفي الشام والعراق. أمه هي ليلى بنت المهلهل بن ربيعة. كان يعتبر من أعز الناس نفساً، وهو من الفتاك الشجعان، ساد قومه، تغلب، وهو فتىً وعمّر طويلاً.

  • ملاحظة النص و صياغة الفرضية:

شكل القصيدة: هو عبارة عن قصيدة عمودية قائمة على نظام الشطرين المتناظرين، وهذا الشكل يوحي بأنها قصيدة تنتمي إلى الشعر القديم.
العنوان:
 تركيبيا: جاء العنوان عبارة عن جملة فعلية كاملة الأركان، والفاعل فيها ضمير متصل تقديره (نحن) دال على الجماعة.
 دلاليا: عبارة عن أسلوب مجازي يعتبر فيه الشاعر المجد والعز شيئا ملموسا يتوارثه الأبناء عن الآباء.
قراءة في البيت الأول والبيت الأخير: يخاطب الشاعر في هذا البيت أبا هند ملك الحيرة بلهجة مليئة بالتحدي والقوة والاعتزاز بالقبيلة. وينهي قصيدته بالفخر بقوة قبيلته وسطوتها.
فرضية النص: من خلال المؤشرات (شكل النص، العنوان، البيتين الأول و الأخير) نفترض أننا أمام قصيدة عربية قديمة، سيفخر فيها بمجد قبيلته وعزها وقوتها.

  • فهم النص :
  • الايضاح اللغوي:
    – الرحى: يقصد بها الشارع الحرب.
    – نورد: نذهب بالرايات.
    – نصدرهن: نرجعهن
    – نطاعن: نحارب.
    – الوشاة: النمامون المفسدون.
    – قناة: من معانيها ضخامة القامة.
    الوحدات الأساسية للقصيدة: يمكن تقسيم القصيدة الى وحدتين شعريتين:
    الوحدة الأولى (من البيت 1 إلى البيت 8): يخاطب الشاعر ملك الحيرة بخطاب شديد اللهجة ويفخر بقوة قبيلته ومجدها. تحدي الشاعر لملك الحيرة، وفخره بقوة قبيلته وشدة بأسها في الحروب وقوة رجالها شبابا و شيبا …
    الوحدة الثانية (من البيت 9 إلى البيت 19): عودة الشاعر مجددا إلى مخاطبة عمرو بن هند، وفخره بأجداده وبأخلاق قبيلته وبكثرة عددها وشرفها، ومكانتها بين القبائل.
    المضمون العام للقصيدة: يخاطب الشاعر في هذه القصيدة الملك عمرو بن هند، ويفخر بقوة قبيلته ومجدها، وقوة رجالها وكثرة عددهم.
  • تحليل النص:
  • المستوى المعجمي:

يمكن تقسيم معجم النص إلى حقلين دلاليين هما:

حقل المجد حقل الحرب
ورثنا المجد، مجدا، حصون المجد، قطينا، متى كنا لأمك مقتوينا، مجد علقمة بن سيف، الساعي كليب، ملأنا البر، ماء البحر نملؤه سفينا، البيت الأخير. – رحانا، اللقاء، طحينا، ثفالها، القتل، الحروب، تضعضعنا، ونينا، الجاهلينا، تهددنا، أوعدنا، قناتنا، الأعداء، المهلكون، العاصمون، العازمون، الجبابر

– العلاقة بين الحقلين فهي علاقة سببية؛ لأن مجد قبيلة تغلب كان بسبب قوتها العسكرية وقوتها وبطشها بأعدائها في الحروب.

 المستوى التركيبي:

الضمائر: وظف الشاعر ضمير المتكلم الدال على الجماعة. من أمثلة ذلك نذكر(ورثنا المجد، علينا، ننقل، نطاعن، ملأنا، ضاق عنا، …) والسبب في ذلك أن الشاعر يفخر بقبيلته ويعدد أمجادها، ولا نجد أي ضمير للمتكلم المفرد وفي ذلك تعبير عن انصهار ذات الشاعر الفردية في الذات الجماعية للقبيلة.
الأسلوب: زاوج الشاعر في هذه القصيدة بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي، فبالإضافة إلى رغبة الشاعر في الافتخار بأمجاد قبيلته، عبر بأسلوب إنشائي عن علاقته المتوترة مع الملك. ومن أمثلة الأسلوب الإنشائي نذكر:
 النهي: فلا تجهل علينا..
 الأمر: أنظرنا، تهددنا و أوعدنا، ..
–  الاستفهام غير الحقيقي: بأي مشيئة عمرو بن هند (التعجب)، متى كنا لأنك مقتوينا (استنكاري)
 النداء: يا عمرو،

 المستوى البلاغي:

– وظف الشاعر لغة إيحائية مؤثرة، اعتمد فيها الاستعارة و الكناية:
البيت الثاني: نورد الرايات بيضا(كناية).
 في البيت الثالث: متى ننقل إلى قوم رحانا (استعارة مكنية).
 البيت الثامن عشر: ملأنا البحر حتى ضاق عنا (كناية).
 البيت التاسع عشر: تخر الجبابر ..( كناية)
– نلاحظ هيمنة الاستعارة المكنية التي تؤدي وظيفة الإبانة والكشف عما يعانيه قيس من العذاب بسبب الحب. كما يتضمن النص بعض المحسنات البديعية وعلى رأسها: الطباق في البيت الثاني ( نورد≠ نصدرهن)، البيت السادس:( شبان≠ شيب، ) البيت الثامن عشر:(البر≠ البحر). وقد أسهمت هذه الصور في تعبير الشاعر عن ذاته ومعاناته، فوظيفتها الأساس تعبيرية.

 المستوى الإيقاعي:

الإيقاع الخارجي:

صبييُن فطام لنا إذا بلغل
– – ه – ه – – ه – – – ه – – ه – – – ه
فعولن مفاعلتن مفاعلتن

 

جدينا جبابرةسا تخرْرلهل
– – ه – ه – – ه – – – ه – – ه – – – ه
فعولن مفاعلتن مفاعلتن

– اعتمد الشاعر بناء تقليديا، يقوم على نظام الشطرين المتناظرين، ووحدة الوزن(بحر الوافر)، وحدة القافية (دينا)، وكذلك حرف الروي (النون، نونية).
الإيقاع الداخلي:
بخصوص الإيقاع الداخلي فقد جاء غنيا حيث ركز فيه الشاعر على التّكرار بأنواعه المختلفة.
تكرار الحروف: تتكرر في القصيدة حروف لها تأثير في النفوس مثل:(النون، الباء، الجيم، الشين..).
تكرار الألفاظ: تتكرر كلمات تسهم في ترسيخ المعاني في ذهن المتلقي منها: جهل (البيت 8) المجد (البيت 5، 6، 13، 14)،
تكرار جمل: بأي مشيئة عمرو بن هند (البيت 9، 10)، ورثنا المجد (العنوان، 13).
وقد أدى الإيقاع الداخلي وظيفة دلالية تعبيرية، وأخرى جمالية إيقاعية.

  • التركيب :

نخلص في الأخير إلى أن قصيدة (ورثنا المجد) للشاعر عمرو بن كلثوم، هي قصيدة عربية قديمة يفخر فيها الشاعر بقوة قبيلته وسطوتها على القبائل، كما يفخر بشجاعة رجالها وكثرة عددهم وخصالهم الحميدة.
وللتعبير عن كل ذلك استعان الشاعر بعجم قسمه إلى حقلين دلاليين، إضافة إلى مجموعة من الصور الشعرية كالكناية والاستعارة المكنية والطباق، كما استعان بضمير المتكلم الجمع للتعبير عن قوة قبيلته وسطوتها، كما زاوج بين الجمل الخبرية والجمل الإنشائية لكونه أردا إخبار المتلقي بخصال قبيلته ومجدها من جهة، وبسبب انفعاله وغضبه من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى وزن متميز بطول النفس ناسب غرض القصيدة وإيقاع داخلي ساعده على إيصال المعاني التي يريد إلى المتلقي. في النهاية لا يسعنا إلا أن نقول أن هذه القصيدة مثلت شعر التعبير عن الجماعة خير تمثيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *