الحركات الاستقلالية بالجزائر وتونس وليبيا – 2 –

الحركات الاستقلالية بالجزائر وتونس وليبيا
الثانية باك آداب وعلوم انسانية ولغة عربية تعليم أصيل
النموذج الثاني

التأطير الإشكالي:

اختلفت مظاهر المقاومة في الجزائر وتونس وليبيا باختلاف الأوضاع الداخلية إلا أن مناهضة الاحتلال الأجنبي والاستغلال الاستعماري المتفاحش تجمع بين الحركات الوطنية في البلدان الثلاثة .
• ما الإطار التاريخي الذي نشأت فيه الحركات الوطنية بكل من الجزائر وتونس وليبيا .
• ما التحول الذي عرفته هذه الحركات خلال منعطف الثلاثينيات .
• ما التطورات التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بالاستقلال .

المقطع الأول: الإطار التاريخي الذي نشأت فيه الحركات الوطنية بكل من الجزائر وتونس وليبيا:

النشاط الأول: مظاهر الاستيطان الاستعماري بالجزائر وتونس وليبيا :

سعت فرنسا إلى جعل الجزائر مستعمرة استيطانية للأوربيين وأصدرت عدة قوانين لتمكين الأوربيين من السيطرة على الأراضي (قانون كريميو سنة وقانون الأهالي لسنـة 1919 )

كماحاولت فرنسا نهج سياسة استعمارية بتونس مشابهة لسياستها الاستعمارية بالجزائر حيث أخذت تضع القوانين والتشريعات لتمكين المستوطنين الأوربيين من السيطرة على الأراضي الزراعية والقطاعات الاقتصادية الأخرى وفتح السوق التنوسية أمام البضائع الفرنسية

أما في ليبيا فقد عملت إيطاليا على السيطرة على المدن الساحلية وأقامت بها فروعا لشركاتها وأبناكها وأنجزت عدة مشاريع اقتصادية وضاعفت من استغلالها للبلاد بعد تنازل الأتراك عنها سنة 1912 وأصرت عدة مراسيم( مرسوم 1914 ومرسوم 1923 ) لتمكين المستوطنين من السيطرة على الأراضي الفلاحية

لقد ساهمت تلك السياسة الاستعمارية في تزايد عدد المستوطينين الأوربيين بالدول الثلاث ووصل عددهم إلى 359000 مســـــــتوطن بالجزائر لوحدها سنة 1911

النشاط الثاني: الانعكاسات الاجتماعية والسياسية للاستيطان الاستعماري على بلدان المغرب العربي :

فـي الجــزائـر:
• أصبحت الإدارة الاستعمارية تستحوذ على خمس الأراضي المحروثة وأخصبها وانعكس ذلك سلبا على وضعية الفلاحين بحيث انتشرت بينهم الأمية والفقر واضطر الكثير منهم إلى الهجرة نحو المدن والعمل مقابل أجور ضعيفة.
• تعرضت البرجوازية الجزائرية لحيف سياسي وعدم المساواة مع الأوربيين فطالبت بالإصلاحات ثم اتجهت نحو الحركة الوطنية لتزويدها بالإطارات اللازمة .

فــي تونــــس:
• وقع إفلاس الفلاحين والحرفيين ولم تكن أجور العمال موزعة بشكل متساوي مابين العامل الأوربي ونظيره التونسي ففي القطاع المنجمي مثلا تجاوز دخل العامل الأوربي 25 فرنك في اليوم بينما لم يتجاوز دخل العامل التونسي 8 فرنكات في اليوم.
• وأمام تلك التطورات تكتلت جماعة من المثقفين التونسيين ومن أبرزهم علي باش حانبه وعبد العزيزالثعالبي  وأسست حزب تونس الفتاة سنة 1907 كما استغل هذا الحزب ظروف الحرب العالمية الأولى وأرسل مذكرة إلى الرئيس الأمريكي ولسن تتضمن الإجراءات الواجب اتخاذها لتطبيق المبادئ الأربعة عشر التي نادى بها في مؤتمر السلام سنة 1919 كما قام الشيخ الثعالبي برحلة إلى باريس حيث نشر كتابه تونس الشهيدة وهو الكتاب الذي أبرز فيه مساوئ الحماية وانعكاساتها السلبية على المجتمع التونسي .

في ليــــبيا:

نتج عن السياسة الاستعمارية الإيطالية بليبيا تفقير وتهميش السكان وهو مأدى إلى ظهور الحركة السنوسية التي قاومت الاحتلال الإيطالي لكنها لم تدم طويلا بسبب التفوق العسكري للاحتلال .

المقطع الثاني: المنعطف التاريخي الذي عرفته الحركات الوطنية خلال الثلاثينيات:

النشاط الأول: التحول الذي عرفته الحركة الوطنية في الجزائر خلال الثلاثينيات :

ساهمت الظروف الجديدة التي عرفتها الجزائر خلال الثلاثينيات والمتمثلة في تزايد التآمر الفرنسي على الشعب الجزائري ومحاولته للقضاء على هويته الإسلامية إضافة إلى احتفاله بالذكرى المائوية لاحتلال الجزائر سنة 1930 والذي كان بمثابة استفزازا للمشاعر الجزائرية الوطنية ساهمت كل هذه الأحداث في ظهور أحزاب وجمعيات سياسية جديدة ومن أهمها :

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: تأسست سنة 1931 بمبادرة من المصلح الديني والسياسي الجزائري عبد الحميد بن باديس طالبت بحل القضية الجزائرية باعتماد الطرق السلمية بشكل لا يحدث قطيعة مع الإطار القانوني القائم في ظل الوجود الفرنسي.

جمعية نجم شمال إفريقيا: تأسست سنة 1927 بزعامة الوطني الجزائري مصالي الحاج طالبت باستقلال الجزائر وبإلغاء قانون الأهالي واستعادة الجزائريين لأملاكهم وضمان حقهم في التعليم والحريات العامة .

الاتحاد الشعبي: تأسس سنة 1938 بمبادرة من فرحات عباس الذي طالب ببرلمان جزائري لدولة مستقلة ومرتبطة بفرنسا.

وبوصول الجبهة الشعبية إلى الحكم بفرنسا طالب انعقد المؤتمر الإسلامي الجزائري سنة 1936 طالب الحكومة الفرنسية الجديدة بنهج سياسة المساواة بين الجزائريين والفرنسيين في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكنه لم يطالب بالانفصال التام عن فرنسا .

النشاط الثاني: تحولات الحركة الوطنية بتونس خلال الثلاثينيات:

أمام تزايد الاستيطان الأجنبي أصبح الحزب الدستوري الذي تأسس سنة 1920 بزعامة عبد العزيز الثعالبي يضم مجموعة من المثقفين الذين طالبوا بحصول تونس على نظام دستوري يمنح للسكان بعض الحقوق وأمام فشل قيادة الحزب الدستوري في تحقيق نتائج ملموسة تأسس الحزب الدستوري الجديد سنة 1934 من طرف مجموعة انفصلت عن حزب الدستور ومن أهم مطالب الحزب الدستوري الجديد  إلغاء الثلث الاستعماري وتوقيف الاستعمار الفلاحي وتعيين التنوسيين في مختلف الوظائف كما اقترح تدابير أخرى تهدف إلى الرجوع إلى روح معاهدة الحماية.

النشاط الثالث: الأوضاع وردود الفعل في ليبيا: 

مع وصول النظام الفاشي إلى الحكم بإيطاليا وجه موسوليني حملات عسكرية ضد ليبيا فتصدى عمر المختار للغزو الفاشي وجند في منطقة برقة فرقا طبقت حرب العصابات مابين 1923 و 1931 حيث كبد القوات الإيطالية خسائر كبيرة قبل أن يتم القبض علية وإعدامه سنة 1931

المقطع الثالث: الإطار التاريخي الذي تحولت فيه الحركات الوطنية من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالإصلاحات:

النشاط الأول: دور الحرب العالمية الثانية في هذا التحول:

تطور عمل الحركة الوطنية بكل من الجزائر وتونس وليبيا بعد الحرب العالمية الثانية من المطالبة بالاصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال.

ففي الجزائر : فقد تقدم ممثلوا المسلمون الجزائريون إلى الحلفاء بعد نزولهم في الجزائر سنة 1942 بمذكرة طالبوا فيها بانعقاد ندوة بهدف وضع دستور سياسي واقتصادي واجتماعي للجزائريين كما تشبت الجزائريون بمبادئ الحلفاء في الدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير واستغلوها حجة إضافية لتدعيم مواقفهم كما تجلى التحول الذي طرأ على مطالب الجزائريين في الوثيقة التي قدمها مجموعة من النواب الجزائريين باسم الشعب الجزائري إلى سلطات الحلفاء حيث طالبوا بإلغاء سياسة الإلحاق والاستغلال والمشاركة الفعالة للجزائريين في تسيير حكومة البلاد كما طالبو بمنح الجزائريين دستورا خاصا.

أما في تونس: فقد انعقد المؤتمر الوطني التونسي سنة 1946 شاركت فيه كل القوى السياسية بالبلاد وأصدر ميثاقا تضمن الانعكاسات السلبية لنظام الحماية على تونس وأكد عزم الشعب التونسي على الاستقلال والانضمام إلى جامعة الدول العربية وهيأة الأمم المتحدة وفي ظل تلك التطورات تقوت الحركة الوطنية بتأسيس الاتحاد العام للشغالين التنوسيين سنة 1946 بزعامة النقابي التنوسي فرحات حشاد هذا الأخير أكد على ضرورة توحيد الحركة النقابية بشمال إفريقيا نظرا لكون تلك البلدان تسعى لتحقيق نفس الغاية .

وفي ليبيا: فقد قسمت بعد الحرب العالمية الثانية إلى ثلاث مناطق نفوذ وأخضعت للاحتلال الفرنسي في منطقة فزان والبريطاني في برقة والإطالي في طرابلس لذلك عبر أعضاء المجلس الوطني لتحرير ليبيا عن رفضهم لذلك التقسيم وقدموا مذكرة بتاريخ 23 ماي 1947 إلى الدول الكبرى مؤكدين عن استعدادهم لمواجهة أي إجراء يهدف إلى تقسيم ليبيا.

النشاط الثاني: نضال الحركات الاستقلالية إلى غاية الحصول على الاستقلال:

في الجزائر:

كان للأحداث التي شهدها المغرب وتونس أكبر الأثر على تطور الحركة الوطنية الجزائرية حيث أسست سنة 1951 جبهة التحرير الوطني هذه الأخيرة أعلنت انطلاق عمليات الثورة الجزائرية في فاتح نونبر 1954 ووجهت نداء للشعب الجزائري بزعامة أحمد بن بلة حددت من خلاله الخطوات العريضة لبرنامجها السياسي والمتمثل في تحقيق الاستقلال بواسطة إقامة دولة جزائرية في إطار المبادئ الإسلامية ودعم الثورة الجزائرية بكل الوسائل المتاحة

وقد انبثقت عن جبهة التحرير الوطنية حكومة جزائرية مؤقتة سنة 1958 بزعامة فرحات عباس الذي انضم إلى جيش التحرير ورغم تلك التطورات فإن فرنسا لم تغير من موقفها وجددت تشبتها بجعل الجزائر مستوطنة فرنسية لذلك امتدت الثورة من الشرق الجزائري لتنتشر في مجموع التراب الوطني وعلى الصعيد الخارجي حصلت جبهة التحرير على الدعم والمساندة وأصبح المغرب قاعدة لتدريب المجاهدين وانطلاق عملياتهم الحربية وملاذا آمنا للاجئين وبوصول الجنرال دي كول إلى الحكم بفرنسا دخل في مفاوضات مع الجزائر انتهت بتوقيع اتفاقية إيفيان في مارس 1962 ونصت على حق الجزائريين في تقرير مصيرهم وصوت الجزائريون في استفتاء يوليوز 1962 لصالح استقلال بلادهم بنسبة 99,7% كما تم الإعلان عن استقلال الجزائر في يوليوز 1962

في تونس:

مباشرة بعد اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد سنة 1952 لجأت الحركة الوطنية إلى المقاومة المسلحة التي عمت مختلف أنحاء البلاد فقبلت فرنسا مضطرة إلى إطلاق سراح الحبيب بورقيبة سنة 1955 والقبول بالتفاوض حول منح الاستقلال لتونس إلا أن استقلال المغرب وانتشار الثورة الجزائرية دفعا فرنسا إلى منح تونس الاستقلال التام في 20 مارس 1920

أما في ليبيا:

بعد أن رفضت هيئة الأمم المتحدة مشروع تقسيم ليبيا وبعد أن اتخذت قرار بتهييئ الظروف لمنح ليبيا استقلالها السياسي التام في أجل لايتعدى سنة 1952 تأسست جمعية وطنية ليبية ضمت ممثلين عن المناطق الثلاث (فزان, برقة , طرابلس) ووضعت هذه الجمية دستورا للبلاد وشكلت حكومة مؤقتة ثم أعلنت عن استقلال ليبيا سنة 1951 وتولى العرش إدريس السنوسي وفي فاتح شتنبر نظم انقلاب أسقط بالنظام السنوسي واعلن عن قيام الجمهورية الليبية بقيادة العقيد معمر القذافي.

خــاتــمــة: والخلاصة أن كل بلدان المغرب العربي قد حققت استقلالها بعد سلسلة من التضحيات والمواجهات ضد سلطات الاحتلال سواء باستعمال الوسائل السلمية و الدبلوماسية أم بالكفاح المسلح ثم اتجهت بعد ذلك نحو محو التبعية والسير في طريق التنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *