ملف: الوضع الدولي لطنجة في عهد الحماية – ن 3 –

ملف: الوضع الدولي لطنجة في عهد الحماية
الثانية باك آداب وعلوم انسانية ولغة عربية تعليم أصيل
النموذج الثالث

تقديم:

صارت طنجة منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي عاصمة المغرب الدبلوماسية، حيث أضحت معقل السفراء الأجانب ومقر نائب السلطان وذلك نظرا لقربها من أوربا وعلى مضيق تمر به سفن معظم الدول الأوربية، وهو ما عرضها لغارات بحرية من طرف بعض القوى الأوروبية وخصوصا الفرنسية والإنجليزية، نتيجة التنافس التجاري بينها. وكان أعنف هذه الغارات تلك التي قامت بها فرنسا سنة 1844م في عهد السلطان مولاي عبد الرحمان العلوي الذي كان يساعد الأمير عبد القادر الجزائري إثر احتلال بلاده سنة 1830م. وقد أظهرت إنجلترا استياءها من الموقف الفرنسي، فلم يجد الفرنسيون بدًّا من أن يجعلوا حدّاً لهجوماتهم على المغرب وعقد الصلح بين المغرب وفرنسا بمدينة طنجة.
وكانت محل اهتمام العالم عندما نزل بها إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني سنة 1905م وألقى بها خطابا ضد سياسة فرنسا في المغرب. وفي عام 1906م عقد مؤتمر دولي في مدينة الجزيرة الخضراء، وضع فيه ميثاق ينص على إقامة نظام خاص في طنجة. وبعد فرض الحماية على المغرب سنة 1912م وتقسيمه إلى ثلاث مناطق. اعتبرت مدينة طنجة منطقة دولية.

1) مراحل إرساء نظام طنجة الدولي:

– 08 ابريل1904: جعل الاتفاق الودي البريطاني الفرنسي طنجة منطقة دولية.
– 3 اكتوبر 1904: نص البند 9من المعاهدة الفرنسية الاسبانية على الوضعية الدولية لطنجة.
– 7 ابريل 1906 : لم يحسم مؤتمر الجزيرة الخضراء في وضعية طنجة.
– 30 مارس 1912 : نص الفصل 1 من اتفاقية الحماية الفرنسية على المغرب على بقاء طنجة على حالتها الخصوصية.
– 27 نونبر 1912 : نصت اتفاقية فرنسا اسبانيا على استحداث منطقة جديدة بطنجة .
– 1914-1918: انشغال فرنسا وبريطانيا بظروف الحرب العالمية الأولى.
– 18 دجنبر 1923: توقيع فرنسا واسبانيا وانجلترا لاتفاقية باريس التي أكدت على الوضع الدولي لطنجة.
– 1925: تنفيذ اتفاقية باريس و تطبيق النظام الدولي لطنجة.
– 1940-1945: احتلال اسبانيا لطنجة.
– 1945-1956: عودة النظام الدولي لطنجة.
– 29 اكتوبر 1956: إنهاء النظام الدولي واسترجاع المغرب لسيادته على طنجة.

2) الوضعية السياسية لطنجة في عهد الحماية:

– 1912-1924: كانت طنجة تابعة للنظام المخزني المغربي من طرف النائب السلطاني محمد بن عبد الكريم التازي.
– 1925-1940 : فرض النظام الدولي على طنجة وحددت أجهزته بموجب اتفاقية باريس 18دجنبر1923 بين فرنسا وبريطانيا واسبانيا.
– 1940-1945 : ضم اسبانيا لمنطقة طنجة وتعطيلها للنظام الدولي.
– عودة النظام الدولي لطنجة بموجب اتفاقية باريس 30غشت 1945 بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.
– 29 اكتوبر 1956 استرجع المغرب سيادته على منطقة طنجة.

3) الوضعية الإدارية لطنجة خلال النظام الدولي:

أقرت اتفاقية باريس 18دجنبر1923 أجهزة إدارية متنوعة:
– المندوب السلطاني: يمثل السلطان المغربي، يحرص على احترام المغاربة للنظام الدولي، يترأس المجلس التشريعي لكن ليس له حق التصويت.
– المجلس التشريعي: يتكون من 18نائبا أجنبيا و6مغاربة مسلمين و3 مغاربة يهود. يسن القوانين التنظيمية .
– المدير: يتولى المنصب لمدة 6سنوات يعينه المجلس التشريعي.
– الدرك: ينقسم إلى مشاة وخيالة يهتم بالشؤون الأمنية.
– لجنة المراقبة: تتكون من قناصل الدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة على الخضراء وتجتمع مرتين في الشهر.
– محكمة مختلطة: تتكون من 7قضاة تفصل في النزاعات الجنائية والمدنية والتجارية.

4) الوضعية الاقتصادية والاجتماعية: 

هيمن الأجانب :الاسبان،الفرنسيون،الانجليز،وغيرهم على الأنشطة الاقتصادية بمنطقة طنجة من خلال الشركات التجارية والبنكية وأنشطة التهريب،وقد استفادوا من امتيازات متعددة منها ضعف أجور العمال،وانخفاض أثمان العقار،وندرة الرسوم الجمركية…،ورغم كونهم شكلوا أغلبية السكان،فقد كانت أوضاع المغاربة جد بئيسة، وزاولوا أنشطة متواضعة كخدام البيوت وتجار وحرفيون صغار.

5) أهم الأحداث التي شهدتها طنجة في ظل النظام الدولي: 

عارضت فرنسا في 12اكتوبر 1945 واسبانيا في 29اكتوبر1946 قيام السلطان سيدي محمد بن يوسف-محمد الخامس- زيارة طنجة،وقرر السلطان المغربي زيارة طنجة يوم 9ابريل 1947،وحرصا منها لعرقلة زيارة السلطان افتعلت السلطات الفرنسية أحداث الدار البيضاء يوم 7ابريل 1947،وقد قتل 61 وجرح 65 مغربي على يد القوات السنغالية العميلة لدى الجيش الفرنسي.
ورغم ذلك قام السلطان بزيارة وطنية وتاريخية إلى طنجة امتدت بين 09-13 ابريل 1947.وقد أكد السلطان في خطابه بطنجة يوم 10ابريل على وحدة المغرب الترابية واستقلاله وشمولية سلطة الملك على مجموع تراب البلاد وعلى أن مستقبل المغرب مرتبط بالإسلام وبالعالم العربي وجامعة الدول العربية .
نتج عن الزيارة تقوية الروابط بين الملك والشعب المغربي والحركة الوطنية –التقى السلطان محمد الخامس بعض قادة الحركة الوطنية خلال إقامته بطنجة-،وفي نفس الوقت عينت فرنسا مقيما عسكريا جديد الجنرال جوان ولقنته تعليمات صارمة تسمح له بتهديد السلطان بالخلع لإرغامه على إتباع مخططات سلطات الحماية،لكن السلطان أصر على ضرورة رحيل فرنسا من المغرب وتحقيق الحرية والاستقلال.

خلاصة:

إذا كانت الاتفاقات السرية والعلنية المتعلقة بالوضع الدولي للمغرب قد تضمنت الرغبة في إقامة نظام إداري خاص تتميز به طنجة عن بقية أجزاء المغرب، فإن الدول الثلاث المعنية بالموضوع وهي انجلترا وإسبانيا وفرنسا،لم تصل إلى اتفاق بشأن ذلك النظام الخاص إلا في 18 دجنبر 1923م. وظلت طنجة في إطار هذا الوضع الشاذ، مسرحا للمضاربات المالية، والدسائس الأجنبية ومقصدا لهواة المغامرات، كما لعبت دورا من أمجد الأدوار في تاريخها ذلك أنها بحكم اتصالها بالأجانب واتصال الأجانب بها، كانت أسرع مدن المغرب إلى الاستيقاظ واستطاعت أن تلمس ما يـبيت لمستقبل البلاد، فنهضت لتنوير بقية القطر وعملت على إحباط الدسائس الاستعمارية، وكانت أهم مدينة في المغرب اتسع فيها نطاق الشركات والوكالات ونشأت فيها المطابع وصدرت الصحف بمختلف اللغات وكان يقصدها الكتاب والصحفيون والمراسلون فساعد ذلك كله على أن تتفتق الأذهان وتنشر فيها الوطنية. ويرى الدكتور عبد العزيز التمسماني خلوق المتخصص في تاريخ طنجة أن بعض الوثائق المغربية المحلية التي عثر عليها تحمل هموم الأهالي وتعكس مواقفهم الرافضة للنفوذ الأجنبي وقيمه وتقاليده، وتنطق بمظاهر الفساد التي كانت تدمي قلوبهم، وتجرح كرامتهم ومشاعرهم. إنها تعتبر صرخة صادرة من أعماق نفوس غيورة على الوطن، وهو حديث العهد بالاحتلال، ومرآة صادقة عن تجربتهم المريرة مع الإرساليات التبشيرية الكاثوليكية والجمعيات اليهودية المحلية. فتأسست جمعية التعاون الخيرية الإسلامية. ثم جمعيات الشبان المتعلمين. والحرص على الاحتفال بعيد المولد النبوي وإشاعة روح الوطنية.
ودخلت طنجة في منعطف حاسم بعد تقديم مطالب الشعب المغربي فـي سنة 1934م والتي نصت على إسقاط جوازات السفر بين مناطق المغرب الثلاث وتمكين المغاربة في السفر للخارج من الجوازات وترك الحرية للذهاب حيث شاؤوا. وكذلك السماح للأفراد بإنشاء مدارس حرة. يضاف إلى هذا انتشار أفكار الحركة السلفية للإصلاح الديني والثقافي التي استهدفت تحرير البلاد والعقل معا باستعادة السيادة للوطن والطهارة للعقيدة الإسلامية. وهكذا نبعت حركة تعليمية إسلامية من أحضان المدينة، هدفها التصدي للنفوذ الثقافي الغربي ونشر الثقافة الإسلامية العربية الصحيحة، والاهتمام بتنقية فكر الشباب من العقائد الواغلة والمذاهب الباطلة، وتنوير العقول وتحريك النفوس، وإذكاء حماسها، وتفجير مشاعرها الدينية والوطنية.
هكذا أصبحت طنجة تضطلع بدور بارز في حظيرة الحركة الوطنية فصارت ملجأ للوطنيين بوصفها الجزء الوحيد من البلاد حيث يمكنهم استنشاق بعض الحرية في خضم موجة القمع ضدهم في المنطقتين الإسبانية والفرنسية.كما كانت زيارة الأمير شكيب أرسلان سنة 1930م حدثا وطنيا بارزا أثار قلق السلطات الاستعمارية، فقد كانت فرصة أمام هؤلاء الوطنيين والجمعيات للاحتكاك به والاستفادة من آرائه وتوجيهاته. وهكذا فقد توافد عليه عدد كبير سواء من أهل طنجة أو المدن المجاورة، وكانت هذه الاتصالات تتم في البيوت وحتى في بعض الدكاكين التي كانت بمثابة مراكز النشاط الوطني.

زيارة محمد الخامس لطنجة.. الحدث والدلالة:
شكلت زيارة المغفور لـه محمد الخامس لمدينة طنجة في 9 أبريل 1947م حدثا تاريخيا وسياسيا في تاريخ المغرب المعاصر، إذ أكدت هذه الزيارة على إصرار المغرب على الحفاظ على وحدته الترابية ورفضه للتقطيع الذي قام به الاستعمار لأجزاء الوطن الواحد بين مناطق في الشمال وفي الجنوب يحتلها المستعمر الإسباني ومنطقة يحتلها المستعمر الفرنسي ومنطقة طنجة التي وضعت تحت الحجر الدولي،كما أكدت هذه الزيارة على انتماء المغرب الإسلامي العربي وتضامنه مع الشعوب العربية التي وضعت لبنة وحدتها ضمن إطار منظمة الجامعة العربية ردا على مشروع الاتحاد الفرنسي الذي يرفضه المغرب. وإذا كان برنامج الرحلة وخط سيرها وكذا المراسيم والاستقبالات التي أقيمت لجلالته بطنجة تؤكد على تشبث المغاربة بسيادتهم وبرغبتهم في التحرر، فقد كان خطاب طنجة التاريخي الذي ألقاه جلالته يوم 10 أبريل 1947م في حدائق المندوبية السلطانية بحضور رجال الحكومة المغربية وسفراء الدول الأجنبية وسلطات الحماية والجماهير الغفيرة من المواطنين القادمين من جميع أنحاء المغرب، فضلا عن سكان طنجة. هذا الخطاب الذي عبر فيه تمسكه بحق بلده في استرجاع حريتها والانطلاق من أسر التبعية الأجنبية، وفي يوم الجمعة 11 أبريل توجه الملك للصلاة بالمسجد الأعظم في موكب رسمي حافل، وقد فاجأ رعيته الكريمة بمنة عظيمة فألقى خطبة الجمعة وأمّ الناس بنفسه. وقد اهتزت لهذا المشهد أفئدة المؤمنين وانتعشت أرواحهم وانطلقت ألسنتهم بالتكبير والتهليل. وقد بين في خطابه الديني السر في نجاح السلف الصالح وهو تمسكهم بتعاليم الدين الحنيف الذي أتاح لهم أن ينقذوا العالم من مخالب الجهل ونير الاستبداد، وأن يبينوا للإنسانية قيمة الحرية الشخصية ويعرفوها بالحقوق البشرية…
وعلى الجملة كما يقول المرحوم علال الفاسي في كتابه الحركات الاستقلالية في المغرب العربي وعلى لسان المسيو جيريف المبعوث الخاص لجريدة (لومند) الباريسية: إن زيارة السلطان لطنجة تعتبر قطعاً وبدون أدنى نزاع نصرا مبنياً للوطنية المغربية وحركتها الاستقلالية. فثارت ثائرة الأوساط السياسية والعسكرية الفرنسية، غادر على إثرها المقيم العام المسيو إيريك لابون المغرب ليعين خلفه دون أن يوجه لجلالة السلطان حتى تحيته التقليدية التي تعود المقيمون بعثها لجلالته بعد مغادرتهم لمقر وظيفتهم.
واستمرت طنجة تحت النظام الدولي إلى أن تمت مرحلة الانتقال باتفاق 5 يوليو 1956م بين الحكومة المغربية من ناحية وبين لجنة المراقبة الممثلة لكل من الولايات المتحدة وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا وإنجلترا وهولندا والبرتغال. وقد اعترف في هذا الاتفاق بعودتها إلى السيادة المغربية، وذلك بعد ثلاث وثلاثين سنة من الوصاية الدولية..
وما زال أهل طنجة يتذكرون بافتخار واعتزاز المؤتمر الذي انعقد في مدينتهم سنة 1958م بقصر مرشان تحت رئاسة المرحوم علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال وزعيم حزب الدستور الجديد التونسي وزعيم جبهة التحرير الوطني الجزائري والساعي لتوحيد المغرب العربي، وكان ذلك حدثا عظيما لم تعرف إفريقيا الشمالية سابقا لـه قبل استقلال تونس والمغرب. ومن طنجة عرف العالم نبأ نجاح مؤتمر لوحدة المغرب العربي.
إنها ذاكرة تاريخية مهمة لما ارتبط بها من أحداث وطنية وثقافية وسياسية قبل الاستقلال وبعده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *