في سنوات الخير يظهر الخير ، أول ما يظهر ، في وادي العيون ، إذ إضافة الى غزارة المياه التي تملأ الأحواض الثلاثة المحيطة بالنبع ، فان مياه العيون تنحدر الى أماكن لم يكن متوقعا أن تصلها . وفي تلك السنين تزرع الخضرة وتظهر النباتات المختلفة ، خاصة التي تأتي مع الأمطار المبكرة . ويتصرف الناس عامتهم في الوادي بطريقة لا يصدقها المسافرون الذين تعودوا المرور على محطات كثيرة مشابهة ، إذ يسرف أهل الوادي في الإلحاح على المسافرين للبقاء فترة أطول ، ويظهرون تعففا زائدا في أن يأخذوا مقابل ما يعطون.
بشر وادي العيون ، إذن ، مثل مياهه : إذا زادوا عن حد معين فلا بد أن يفيضوا ، أن يتدفقوا الى الخارج ، وهذه الزيادة ، الهجرة ، لازمتهم منذ أمد بعيد . فجأة يحسون انهم تكاثروا ، وأن الوادي لم يعد قادرا على إحتمالهم ، ولا بد للشباب القادرين على السفر ، من إكتشاف أماكن جديدة ، ليشدوا الرحال إليها من أجل الإقامة والرزق . إن حالة مثل هذه تبدو خفية غامضة ، وقد لاتتعلق دائما بالأمطار أو المواسم ،كما هي الحال في أماكن أخرى ، إذ رغم المطر الذي قد يأتي في سنة من السنين ، ورغم المراعي التي تحيط بالوادي ،والمياه التي تفيض وتمتد إلى مسافات لم تكن تصلها في أوقات أخرى ، رغم هذه الأشياء جميعها فإن هاجسا ملعونا ينمو بخفاء وبطـء في القلوب.
وهذا الهاجس الذي يحسه الكبار ، لكن يتكتمون عليه ويقاومونه ، ينام وينهض في قلوب الشباب والأمهات ، فيأخذ شكلا حادا عصبيا عند الشباب ، وشكلا حزينا يائسا عند الأمهات . لكن رغبة اكتشاف العالم ، وحلم الغنى ” وذلك الحنين إلى شيء ما ” يلح على الشباب إلى درجة لايستطيعون معه الصبر أو احتمال نصائح المسنين ، ولذلك يقررون وحدهم ، مهما كانت هذه القرارات قاسية .
لايوجد رجل من الرجال في الوادي ، خاصة في سن معينة ، لم تستول عليه رغبة السفر، وقلما يوجد واحد من المسنين لم يسافر إلى مكان من الأمكنة ، صحيح أن هذه الرغبات والسفرات تتفاوت من حيث المدة والنتائج ، إذ قد تستمر سنوات طويلة ، وقد تمتد فتشمل العمر كله ، وبعضها قد لايدوم أكثر من شهور ، يعود بعدها المسافر خائبا أو ظافرا ، لكنه يعود أيضا مملوءا بالحنين في الحالتين ، ومثقلا بالأفكار والذكريات وحلم السفر مرة أخرى . أما النتائج التي جناها المسافرون من أهل وادي العيون فلا يمكن أن تتلخص بكلمات قليلة ، لأن لكل مسافر مقاييسه وتصوراته ، فالنجاح والفشل ، الغنى والفقر ، لايعنى مفهوما واحدا بالنسبة للجميع .فقد صادف في حالات كثيرة ، أن عاد بعض المسافرين من أهل الوادي ، ورافق عودتهم الكثير الكثير من الأحاديث والأفكار والقصص.
حديث وادي العيون والسفر كلاهما له بداية بالنسبة لأي شخص ، لكن ليس له نهاية . وهذه الحالة يعرفها الكبار والصغار ، وتعودوا عليها وألفوها الى درجة لم تعد تثير أحدا أو تخلق أحزانا لايمكن مقاومتها ، حتى الأمهات اللواتي يردن أن يبقى أولادهن في الوادي ، وأن يستمروا فيه إلى النهاية ، لأنهن يخفن الأمكنة الأخرى ولا يتصورن وجود أمكنة أفضل ، لابد أن يسلمن في فترة من الفترات تسليم العاجز اليائس ، مع أمل أن يعود هؤلاء في وقت من الأوقات ، لكن بعد أن يكونوا قد شبعوا من السفر!
عبد الرحمان منيف . مدن الملح (التيه) . ص ص : 7 – 14 (بتصرف)
أولا : عتبة القراءة 1- ملاحظة النص:– صاحب النص:
+ عبد الرحمان منيف.
+ ولد سنة 1933 بالسعودية .
+ كاتب روائي سعودي.
+ من رواياته: الأشجار و أغنية مرزوق – مدن الملح – حين تركنا الجسر – عالم بلا خرائط …
+ توفي عام 2004.
– مجال النص: سكاني
+ تركيبيا :.مركب إضافي يتكون من مضاف ( وادي ) و مضاف إليه ( العيون) و يمكن أن يصير مركبا اسناديا بتقدير المبتدأ المحذوف.
+ دلاليا : يدل العنوان على مكان : (الوادي) و هو المجرى المائي وسط التضاريس.. – العيون : مفردها عين وهي ينبوع الماء لاقترانها بمفردة الوادي.
– الصورة المرفقة : تمثل صورة لواد بمحاذاته واحة خضراء دالة على توفر الماء ، وبجانبها بضع بنايات طينية ، تدل محدودية عددها على قلة الكثافة السكانية في المنطقة.
– بداية النص: تقدم مؤشرات سردية ( الزمان – المكان – الأحداث) .
– نهاية النص : تقدم مؤشرات دالة على الهجرة (السفر – الأمكنة الأخرى – أمكنة أفضل)
– نوعية النص : نص حكائي
2 – بناء الفرضية :
بناء على المؤشرات السابقة و القراءة الأولية للنص نفترض أن موضوعه يتناول قصة أهل وادي العيون و حياتهم هناك.
ثانيا: القراءة التوجيهية (فهم النص 🙂
– شرح المستغلقات :
– النبع: مصدر الماء
– يتكتمون عليه : يخفونه ويسترونه
– تتفاوت : تختلف وتتباين.
– الحدث الرئيسي : سرد حياة أهل وادي العيون و هوسهم بالهجرة.
ثالثا : القراءة التحليلية:
1 – الحقول الدلالية :
حقل الهجرة | حقل الطبيعة |
المسافرون – السفر – يشدوا الرحال – اكتشاف أماكن جديدة – الأماكن الأخرى – اكتشاف العالم – الحنين – – | وادي العيون – المياه – الأحواض – النبع – مياه العيون – الخضرة – الأمطار – وادي – الفيضان … |
2 – أحداث النص :
أ- تصوير وادي العيون وخيراته الوفيرة وآثارها على أهله.
ب – حلم الهجرة يستهوي سكان الوادي وخاصة الشباب منهم.
ج- سرد تاريخ أهل وادي العيون مع الهجرة و تجارب النجاح والفشل قي ذلك .
د- تعلق أهل وادي العيون بالهجرة. و تأكيد السارد على ذلك.
3 – وتيرة السرد :
اعتمد السارد إيقاعا سريعا في استرجاع حكاية أهل وادي العيون التي امتدت في فضاء زمني مفتوح على زمن الماضي.
4- الملامح الفنية
– التشبيه : شبه السارد سكان وادي العيون بالمياه من حيث الحركة و الهجرة و الانتقال في المكان.
– التأكيد : ترددت بعض الألفاظ التي لها حمولة دلالية مرتبطة بالموضوع في النص للتأكيد عليها
– هيمنة الفعل و خاصة الفعل المضارع الدال على الدينامية و الحركية من جهة و على الاستمرارية من جهة أخرى
رابعا: التركيب :
يسرد الكاتب قصة سكان وادي العيون مع الهجرة و خاصة منهم الشباب الذين يتوقون إليها و يعتبرونها حلما تتوارثه الأجيال تباعا . و المثير في هذه الحكاية أن وادي العيون بالرغم من خصوبة أرضه و وفرة خيراته لم يستطع أن يشد إليه أهله ،دون التفكير في الهجرة بعيدا عنه..
View Comments
jamiiiiiiiiiiiiil
thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaanks
جميييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييل
xokrann bazaf
merci
أين المضامين الفرعية هدا ليس كالعادة
أين المضامين الفرعية هدا ليس كالعادة اااا
mrci c'est trés belle
شكراااااااااااااااااااااااا بزاف
9ira2a tawjihiya ghayr kamila