نص حوار الأستاذ الحسن اللحية مع جريدة العلم حول الإصلاح

نص الحوار مع الأستاذ الحسن اللحية:
جريدة العلم ، العدد 23054، الملحق التربوي بتاريخ 5 نونبر 2014
حاوره : المحجوب ادريوش

1- بعد اجتماعات ماراطونية دامت لفترة تعدت الثلاثة أشهر أفرجت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني عن نتائج مشاوراتها مع المعنيين والفاعلين حول المدرسة المغربية، ما هي قراءتكم لخلاصات هذه المشاورات؟
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي طرح بعض الأسئلة من قبيل : هل منهجية الميثاق استنفذت مهامها؟ و هل المشاورات التي قامت بها الوزارة و يقوم بها المجلس الأعلى الآن هي المنهجية الصحيحة لتجاوز الميثاق الوطني للتربية و التكوين ؟ وهل هذه المشاورات برمتها هي التي ستقطع مع الميثاق الوطني للتربية و التكوين؟ ما رأي الفاعل السياسي و النقابي و المهني؟ و أين هؤلاء من التصورات العامة للتربية والتعليم و لمستقبلهما في المغرب؟
ومن جانب آخر ، هل هذه المشاورات هي استقصاء للرأي أم هي تجميع لآراء دون تمحيص؟ هل تنبني على تصورات مسبقة للتشاور أم هي مشاورات بدون تحديد مسبق؟ و ماذا يعني تحديد محاور للتشاور في سياق استقصاء الرأي؟
إن منهجية التشاور تطالها أخطاء منهجية و علمية و معرفية ، وخاصة فيما يتعلق بالعينات المنتقاة ؛ فهل هي عينات ممثلة؟ تمثل من؟ فالعينة بحد ذاتها لا تعني شيئا إذا لم يخضع ما ترتب عن المشاورات للدراسة من جديد لتتوضح المشاكل و القضايا التي ينبغي الاشتغال عليها علميا.
ولهذا السبب فالمتصفح لما أسفرت عليه المشاورات سيلاحظ ما يلي:
– طغيان النزعة الكمية : عدد المشاركين
– قصر المدة الزمنية المخصصة لكل متدخل
– الوقوف عند سطحية المشاكل
– غياب الباحثين في قضايا التربية و التكوين
و لعل هذه النقط الثلاث انعكست بشكل جلي في التقرير الخاص بالمشاورات ، حيث سيجد القارئ و المهتم أن طبيعة الخلاصات تتأرجح بين الرؤى السريعة و المبسطة و التبسيطية و الشعاراتية و المطلب النقابي و تضارب الخلاصات في نفس المحور .
و اما من جهة التصورات و الاقتراحات فإن المشاورات كانت خلاصاتها هزيلة جدا لا تتعدى الحس المشترك على جميع المستويات، وهو ما يجعل المدبر و نعني به الوزير لن يخرج بأي تصور لحل مشكل ما.
و مثالنا على ذلك أن بعض الاقتراحات حول مهن التربية و التكوين ظلت تردد العموميات و كل ما هو متداول ، و لم تكن جريئة في الاقتراح و التصور ، بل إن بعض مضامين المشاورات ظلت تردد المشاكل في تناقضاتها المعروفة.
و بناء على ما سبق أعلاه فإن ما نشر يجب أن يكون بداية لدراسة فعلية تعهد إلى أهل الاختصاص المعرفي في مجال التربية و التكوين ، و آنئذ تأخذ المشاورات طريقا آخر يجمع بين الباحث و الفاعل السياسي و النقابي و الجمعيات المهنية و جمعيات الآباء و الأمهات. و بعد ذلك تطرح النتائج للنقاش البرلماني كي تصبح المشاورات مشاورات استراتيجية متفق حولها وطنيا.

2- يتخوف فاعلون ومهتمون من تكرار مآسي الفشل السابقة مع تجارب مماثلة:منتديات الاصلاح، البرنامج الاستعجالي، بيداغوجيا الادماج، هل يمكن أن تلقى خلاصات هذه المشاورات نفس المصير؟
لدي حساسية خاصة تجاه الاستعجال في التربية ، وقد عبرت على هذا الأمر مرارا و تكرارا منذ 2006 في عهد الاستاذ حبيب مالكي ، بل و حتى في عهد الساعف حينما أنشأ جمعية للدفاع عن الإصلاح.
إن المطلوب اليوم هو تقييم التجارب السابقة ، المطلوب وقفة للتقييم و الافتحاص و المحاسبة لأن الأمر يتعلق بالزمن ، زمن وطن ، و بالهدر ، هدر المجهود الوطني و المالي . و ما زلت أتساءل أمام الجميع : من كان مسؤولا عن بيداغوجيا الإدماج مثلا؟ و كم كلفتنا من زمن مهدور و مال مهدور كذلك؟
فما لم نقم بتقييم فعلي للتجارب السابقة كتجربة المنتديات التي أهدرت أمولا كثيرة ، و تجربة البرنامج الاستعجالي الذي كان فوقيا، و لبيداغوجيا الإدماج… و بالتالي الرجوع للميثاق الوطني للتربية والتكوين بقراءة جديدة فإننا لن نتقدم إلى الأمام ، و سيظل الاصلاح بهرجة مفسدة للإصلاح (أوركسترا الإصلاح)، بل سيظل الإصلاح تقنويا و تبسيطيا و اختزاليا لأنه لن يضع غاية للنظام التربوي المغربي.

3 – كأكاديمي ومتابع دائم للشأن التربوي ، لم تتوالى الاصلاحات لكننا وفي كل إصلاح يتبين وكأننا نتلمس طريقة البداية من جديد؟
لقد كتب مقالا في موضوع الاصلاحات منذ 1956 إلى اليوم ، و بدا لي و أنا أتتبع المخططات الخماسية و الثلاثية ، و الندوات و قرارات بعض الوزراء و التصاريح الحكومية أن الإصلاح التعليمي في المغرب يخضع لثلاث مستويات كبرى :
– المستوى الأول هو أن القرار في التربية يتأرجح بين الحين و الآخر ، وهذا معناه أن صاحب القرار يفتقد إلى رؤية واضحة لما ينبغي أن تكون عليه السياسة التعليمية.
– المستوى الثاني يتجسد في إكراه الجانب المالي ، وذلك منذ 1956 ، بحيث أنك تجد أن التعليم يقع تحت تأثير وزارة المالية سواء في التوظيف أو التعميم أو التكوين أو فتح آفاق جديدة في النظام التربوي المغربي في كليته.
– المستوى الثالث يختزل هذا التذبذب في الاختيارات حيث ستجد مشاكل تتكرر منذ ما بعد حكومة عبدالله إبراهيم مثل التكوين و مؤسساته ، و تعميم التعليم بإنصاف كتعميم اللغات والموسيقى …إلخ ، أو تعميم مؤسسات تخصصية أو تحتوي على تخصصات ما أو تعميم البنيات كالداخليات مثلا في المغرب كله. ومن جانب آخر هناك قضايا أخرى تتكرر منذ الستينيات مثل مشكل لغات التدريس و اللغات الأجنبية و البرامج و المناهج …إلخ ومحاربة الأمية و التكوين المستمر .
– وهناك مستجدات لم تعهدها المنظومة التربوية فيما سبق و تتجسد في ارتقاء المدرسين معرفيا مما يطرح مشاكل كبرى في المستقبل إذا لم تبن مهن التربية و التكوين في مجملها على تصورات جديدة كليا تقطع مع الماضي.. و المقصود هنا هو إعادة النظر في الرؤى النقابوية و الإدارية لمنصب الشغل ، و بالتالي ولوج عصر المهنية و الكفايات بما يقتضيه من مراجع كفاياتية متعاقد حولها تؤطر المهن و الممارسات، ومما ينبغي الإشارة إليه هنا – على سبيل المثل لا الحصر- هي مهنة المكون : من هو المكون إذن؟ و ما معنى الإدارة التربوية في عالم يتحول نحو الاشتغال بالحكامة المحلية ونحن ما زالنا نفكر في الإدراة التربوية كامتداد مطلق للنائب و مدير الأكاديمية و الوزير.. فهل هذه هي الإدارة التربوية لمغرب المستقبل؟
4 -ما هي قراءتكم لخطة الوزير التي عنوانها الإصلاح على المدى البعيد أو ما سماها رؤية 2030؟
يبدو لي أن عنوانا براقا مثل هذا العنوان يذكرني بعناوين تصدر عن منظمة الأوسيدي و البنك الدولي و منظمة بيزا و طاولة المصنعين الغربيين في اوربا المعروفة اختصارا ب إرتي أو غيرها ، حيث تجد عنوانا مثل : مدرسة المستقبل ، و حينما تطلع على الكتاب أو الوثيقة فإنك لن تجد غير النبوءة و سخرية الأرقام و أحلام اليقظة.
إن من ينظر للمستقبل عليه أن يعرف الحاضر –الآن- بدقة كبيرة ، فعلى مستوى خاص مثلا، هل نعرف حقا الخصاص في أساتذة الرياضيات بعد خمس سنوات مثلا؟ و هل نعرف كم سيلج من تلميذ المدارس العمومية بعد خمس سنوات ، بل كم تبلغ نسب التسرب الدراسي في كل شهر ، … إلخ.
إن الحديث عن المستقبل يعني تملك الحاضر معرفيا و علميا و سياسيا و اقتصاديا و استراتيجيا، و لا يمكن وضع أي تصور للمدرسة المغربية من دون دراسات استراتيجية في جميع المجالات و ما عدا ذلك فليحلم من أراد أن يحلم فليحلم كما يشاء لأن الحديث عن 15 سنة آتية يعني التفكير في مغرب بجميع قطاعاته و أبعاده الصناعية و الثقافية و الاقتصادية و السياحية و الفلاحية ….إلخ و ما النظام التربوي في هذه الحالة سوى تلبية للحاجيات المتطورة و المتغيرة لهذه القطاعات : فهل نتوفر على مثل هذه الدراسات القطاعية الدقيقة فعلا كي نتحدث عن ماهية المدرسة في 2030؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *