الدرس اللغوي: الصورة الشعرية: وظائفها عند الرومانسيين

الدرس اللغوي: الصورة الشعرية: وظائفها عند الرومانسيين

السنة الثانية بام آداب وعلوم إنسانية

1 ـ تقــــديم :

نص الانطلاق: يقول مطران خليل مطران:

1 ـ عبث طوافي في البلاد وعلــــــــةٌ في علة منفايَ لاستشفــــــــــــــــاءِ
2 ـ متفردٌ بصبابتي، متفــــــــــــــــــردٌ بكآبتي، متفرد بعَنائــــــــــــــــــــي
3 ـ شاكٍ إلى البحر اضطراب خواطري فيجيبني برياحه الهوجـــــــــــــــاء
4 ـ ثاوٍ على صخر أصمِّ وليت لــــــــي قلبا كهذي الصخرة الصمـــــــــــاء
5 ـ ينتابها موج كموج مكارهــــــــــي ويفتها كالسقم وفي أعضائـــــــــــي
6 ـ والبحر خفاق الجوانب ضائــــــــقٌ كمِدا كصدري ساعة الإمســــــــــاء
7 ـ لقد ذكرتُكِ، والنهار مُـــــــــــــودعٌ والقلب بين مَهابةٍ ورجــــــــــــــــاءِ
8 ـ والدمع من جفني يسيل مُشعشعــا بسنى الشعاع الغارب المُترائـــــــي
9 ـ والشمس في شَفَقٍ يسيل نُضــــاره فوق العقيقِ على ذَراً ســــــــــوداء
10 ـ مرت خلال غمامتين تحــــــــدُّرا وتقطرت كالدمعة الحمــــــــــــــراء
11 ـ فكأن آخر دمعة للكون قــــــــــد مُزِجتْ بآخر أدمعي لرثائـــــــــــي
12 ـ وكأني آنستُ يوميَ زائـــــــــلا فرأيتُ في المرآة كيف مسائـــــــي .

التحليل البلاغي :

المعنى العام :

يعاني الشاعر من أزمة صحية وعاطفية قاسية (ذكرتُكِ)، لم يجد لها مخرجا سوى أن يتوجه إلى البحر لحظة الغروب ليبثه شكواه وأحزانه، فتجاوبت معه عناصر الطبيعة إيجابا، وأوحى له غروب الشمس بدنوِّ أجله.

1 ـ المشابهة :

أ ـ الاستعارة :

البيت 3 : دخل الشاعر في علاقة حميمية مع البحر، الذي شخصه في صورة إنسان يتحاور معه، محققا تجاوبا متبادلا بين الطرفين؛ إذ رياح البحر الهوجاء صورة معكوسة لخواطر الشاعر المضطربة، ويمكن تمثل هذا الحوار من خلال الثنائئيات التالية :
الشاعر شاكٍ والبحر يجيب، والشاعر مضطرب الخواطر ورياح البحر هوجاء.
البيت 6 : لعل مشاركة البحر الشاعر تجد صداها في البيت 6 حينما عد البحر ذاته ضيق الصدر مضطربا حزينا حزن الشاعر نفسه. وفي ذلك إيحاء بضخامة هموم الشاعر، (وزيادة في المبالغة استعمل التشبيه المقلوب).
البيت 11 : ذروة الاندماج والامتزاج بين الشاعر وعناصر الطبيعة تظهر حين جعل الشاعر الشمس شخصا يسكب من جفنيه دمعة مودعة الكونَ، ملوَّنة بلون أحمر، متأثرة بحزن الشاعر وكآبته. وباعتماده التشخيص يكون الشاعر قد أسقط ذاته على مظاهر الطبيعة (البحر/الشمس) ليكشف عما يعتمل في دواخله من فواجع وصراع .

ب ـ التشبيه :

البيتان 4 و 5 : يتمنى الشاعر، وهو أمام البحر، أن يكون له قلب صلب منزوع الأحاسيس كصلابة الصخرة التي تلطمها أمواج شبيهة بالشدائد والأسقام التي أوهنته. وغاية التشبيه، هنا، هي التوضيح الدقيق لحالة الشاعر الجسدية والنفسية: فالجسد سقيم والنفسُ معلولة .
البيت 10 : يصور الشاعر حركة انحدار الشمس بين غمامتين، معلنة عن أفولها، بحركة انذراف الدمعة من الجفنين. وقد قصد الشاعر، بهذا التمثيل، إلى رسم صورة حسية توحي إلى النهاية المأساوية التي آل إليها الكونُ والشاعر معا، وفي ذلك إعلان عن مشاركة عناصر الطبيعة لوجدان الشاعر.

ـ الاستعارة والتشبيه أدوات لتجسيد خيال الشاعر الرومانسي، وبيان خصوصية موقفه ورؤيته، وليسا أسلوبين بيانيين تزينين .

هكذا نُدرك أن الشاعر الرومانسي لم يطرق موضوع الطبيعة كما فعل غيره من الشعراء؛ إذ لم يقصد إلى وصف مظاهرها ونقل معالمها إعجابا وانتشاء، وإنما اتخذها معبرا للتعبير عن الذات، حيث تنعكس مظاهرها وظلالها على عواطفه، محققا بذلك ما يمكن تسميته بالحلول في الطبيعة .

2 ـ المجاورة :

البيت 2 : البيت كله كناية عن كثرة الهموم، وقد زاد هذه الدلالة ظهورا تكرار لفظ التفرد زيادة في الادعاء والمبالغة. كما حسن هذا المعنى التوازي داخل البيت بصورتيه التركيبية والإيقاعية، كما يأتي :

البيت 12 : ونتيجة لغلبة مسحة التشاؤم والحزن القاتم، فقد كنى الشاعر عن الإحساس بقرب نهايته، متوسلا بالمجاز المرسل حيث ذكر اليوم (الجزء) قاصدا به العمر(الكل)، وبذلك تكون علاقته الجزئية .

استنتاج :

ـ انضباط مساحات التعبير عند الشاعر الإحيائي للقوالب الفنية والقيم الثقافية والجمالية الموروثة، يقابله تَغَنٍّ بالذاتية في الشعر الرومانسي بدل الذوبان في الكينونة الاجتماعية. وقد ترتَّب عن كون وظيفة الشعر هي التعبير عن الذات هيمنةُ الوظيفة التعبيرية الإيحائية على ما عداها.
ـ التعبير عن الذات اقترن بالإيمان بمبدإ الفرار إلى الطبيعة، باعتبارها جسرا للتعبير عن العواطف والمشاعر، وملاذا آمنا من شرور الواقع. ولا يتحقق ذلك إلا بالخيال الجامح، مما جعل الصورة ترتبط بالخيال الناسج لها وبالعاطفة التي تلونها.
ـ الخيال غدا طاقة موحدة قادرة على صهر الأشياء، وبناء علاقات جديدة تنتقل من مستوى التشابه إلى التماهي.
ـ باعتماد الخيال سيتم كسر مبدإ الوضوح الذي أصرت عليه الكلاسيكية، ويغدو الغموض، في مرحلة لاحقة مطمحا شعريا.
ـ الرومانسيين أكثروا من استخدام تقنية التشخيص لقدرته على التكثيف العاطفي، وعلى الإيحاء.

ذ محمد الدواس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *