التربية الاسلامية: فـقـه الحــج للحذع المشترك

التربية الاسلامية: فـقـه الحــج للحذع المشترك

جميع الجذوع المشتركة

مدخل تمهيدي:

كثير من الناس يذهبون لأداء فريضة الحج، لكنهم يعودون بنفس الأخلاق التي ذهبوا بها، أو ينقلب حالهم إلى أسوء، فتجد الواحد منهم يجترئ على الكذب وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من الأفعال التي تنافي مقاصد الحج ولا ترضي الله رب البيت.

  • فما حقيقة الحج؟
  • ما مكانته في الإسلام؟
  • وما المقصد منه؟

النصوص المؤطرة للدرس:

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿… وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. [سورة آل عمران، الآية: 97]

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ  …﴾. [سورة البقرة، الآية: 196]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»، فقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟، فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ». [أخرجه مسلم]

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾. [سورة البقرة، الآية: 197]

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ۩ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ۩ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾. [سورة الحج، الآيات: 27 – 28 – 29]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».

[أخرجه البخاري]

دراسة النصوص وقراءتها:

I – توثيق النصوص والتعريف بها:

1 – التعريف بسورة آل عمران:

سورة آل عمران: مدنية، عدد آياتها 200 آية، وهي السورة الثالثة من حيث الترتيب في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة الأنفال، سميت بهذا الاسم لورود ذكر قصة الأسرة آل عمران والد مريم أم عيسى عليهما السلام، وما تجلى فيها من مظاهر القدرة الإلهية بولادة مريم عيسى عليهما السلام، وقد اشتملت على ركنين هامين من أركان الدين، هما: ركن العقيدة وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية الله جل وعلا، وركن التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالمغازي والجهاد في سبيل الله.

2 – التعريف بسورة البقرة:

سورة البقرة: مدنية، عدد آياتها 286 آية، وهي السورة الثانية من حيث الترتيب في المصحف الشريف، وهي أول سورة نزلت بالمدينة المنورة، سميت بهذا الاسم إحياء لذكرى معجزة سيدنا موسى عليه السلام، حيث قتل شخص من بني إسرائيل ولم يعرفوا قاتله، فعرضوا الأمر عل موسى لعله يعرف القاتل، فأوحى الله إليه أن يأمرهم بذبح بقرة، وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله ويخبرهم عن القاتل، وتكون برهانا على قدرة الله جل وعلا في إحياء الخلق بعد الموت، سورة البقرة من السور المدنية التي تعني بجانب التشريع شأنها كشأن سائر السور المدنية التي تعالج النظم والقوانين التشريعية التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم الاجتماعية.

3 – التعريف بسـورة الحج:

سورة الحج: مدنية ما عدا الآيات 52، و53، و54، و55 فقد نزلت بين مكة والمدينة، عدد آياتها 78 آية، ترتيبها 22 في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة النور، نزلت سورة الحج تخليدا لدعوة الخليل إبراهيم عليه السلام حين انتهى من بناء البيت العتيق، ونادى الناس لحج بيت الله الحرام، وهي تتناول جوانب التشريع شأنها شأن سائر السور المدنية التي تعني بأمور التشريع مع أنها سورة مدنية إلا أنها يغلب عليها جو السور المكية، فموضوع الإيمان والتوحيد والإنذار والتخويف والبعث والجزاء ومشاهد القيامة وأهوالها هو البارز في السور الكريمة، حتى ليكاد يخيل للقارئ أنها من السور المكية، هذا إلي جانب الموضوعات التشريعية من الإذن بالقتال وأحكام الحج والهدي والأمر بالجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية، حتى لقد عدها بعض العلماء من السور المشتركة بين المدني والمكية.

4 – التعريف بأبي هريرة:

أبو هريرة: هو عبد الرّحمن بن صخر الدوسي، ولد في مدينة الحجاز في عام 19 قبل الهجرة، كان اسمه عبد شمس أبو الأسود في الجاهلية، اعتنق الإسلام بينما كان يبلغ من العمر 16 عاما، وقد سماه الرسول ﷺ عامراً، لُقّب بأبي هريرة، أسلم أبو هريرة وشهد غزوة خيبر مع الرسول ﷺ، كما صحبه حوالي أربع سنوات، ويعد معجزة من معجزات النبوة، لهذا كان من أكثر الصحابة روايةً للحديث، كان أبو هريرة تقيّاً ورعاً، لم يكن يرد الإساءة بالإساءة، تُوفي بعد وفاة الرسول ﷺ بــ 47 عاما، حيث أخذ الله أمانته في عام 57 هـ، وقد كان يبلغ من العمر ما يقارب 78 عاما.

II – فهم النصوص:

1 – مدلولات الألفاظ والعبارات:

  • لله على الناس: أوجب الله على الناس.
  • الحج: لغة: القصد، واصطلاحا: هو عبادة ذات إحرام وطواف وسعي ووقوف بعرفة.
  • وأتموا: أكملوا.
  • استطاع: أي كانت له القدرة البدنية والمادية.
  • فرض الله عليكم: كتب الله وأوجب عليكم.
  • لا رفث: لا جماع بين الزوجين، ولا فحش في القول.
  • لا فسوق: لا معصية.
  • لا جدال: لا خصام ولا مماراة.
  • أذن في الناس: أدعوهم.
  • رجالا: مشاة.
  • ضامر: الإبل المنهكة من بعد المسافة.
  • فج عميق: مكان بعيد.

2 – المضامين الأساسية للنصوص:

  • يبين الله تعالى أن الحج فريضة إلهية، وأنه ركن من أركان الإسلام، كما أنه فريضة على من استطاع إليه سبيلا.
  • إيجابه سبحانه وتعالى إتمام أركان الحج والعمرة لتكون فريضة صحيحة تبلغ الأجر المبتغى عند الله.
  • يبين الحديث الشريف أن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن إجابة السائل خَشْيَةً من أن يفرض الحج كل عام على المسلمين مما يدل على أن الحج فرض واجب على المستطيع مرة في العمر.
  • تبين الآية الكريمة الأهداف التربوية للحج والمتمثلة في التقرب من الله بالطاعات وترك المعاصي والآثام والمخالفات حال الإحرام.
  • تبين الآية الكريمة بعض منافع الحج المتمثلة في الصبر والتواضع وإطعام المساكين وكذلك اغتنام المنافع الاقتصادية كالتجارة وغيرها.
  • إخباره صلى الله عليه وسلم للأجر العظيم للحج ألا وهو التطهر من جميع الآثام والمعاصي والفوز بجنات النعيم على أن يكون الحج صحيحا خاليا من الفحشاء في القول والفعل.

تحليل محاور الدرس ومناقشتها:

I – مكانة الحج في الإسلام:

الحج: لغة: مصدر حج يحج، ومعناه القصد والزيارة، وشرعا: عبادة ذات إحرام (نية أحد النسكين الحج أو العمرة، أو هما معا)، وطواف بالبيت الحرام (الدوران حول البيت سبعة أشواط)، وسعى بين الصفا والمروة (المشي بين الصفا والمروة ذهابا وجيئة بنية التعبد)، ووقوف بعرفة ليلة عيد الأضحى (الحضور بالمكان المسمى عرفات لحظة فأكثر بنية الوقوف من ظهر يوم التاسع وليلة العاشر إلى طلوع الفجر)، ولفريضة الحج أهمية كبيرة وعظيمة بين العبادات في حياة المسلم، فإذا كانت الصلاة مفروضة خمس مرات في اليوم، والصوم والزكاة مرة في السنة، فإن الحج فرضه الله تعالى مرة في العمر على الرغم من ذلك، فإنه عبادة جامعة بين ما هو روحي، وبدني، ومالي.

II – أهمية الحج وفضائله في الإسلام:

1 – أهمية الحج في الإسلام:

للحج أهمية عظيمة بين أركان الإسلام، فهو يجمع بين ما هو روحي وبدني ومالي، يؤديه المسلم متى توفرت له الاستطاعة، ليتحقق له مجموعة من الفوائد الروحية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية، فالحج مؤتمر عام لتوحيد غايات المسلمين وتوجيههم إلى مصادر الحياة الصحيحة، فرضه الله على كل مسلم عاقل بالغ صحيح البدن، ويملك الزاد مرة في العمر.

2 – فضائل الحج في الإسلام:

فضائل الحج لا تعد ولا تحصى، قال رسول الله ﷺ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، وفي حديث أخر أن النبي ﷺ قال: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّة».

III – الحكمة من تشريع الحج في الإسلام:

تشتمل فريضة الحج على حكم جليلة كثيرة تمتد في ثنايا حياة المؤمن الروحية، ومصالح المسلمين جميعهم في الدين والدنيا، منها:

  • ترسيخ القوة الإيمانية وتأكيد وحدة الأمة.
  • تعارف المسلمين وتقوية الصلة فيما بينهم في مختلف مشاهد الحج المتنوعة.
  • تربية المسلم على الاستعداد الدائم لتحمل جميع المسؤوليات والقدرة على مواجهة التحديات وكل الطوارئ المحتملة.
  • تجرده من الماديات ومطالب الدنيا وتوجهه بتلبيته آناء الليل وأطراف النهار …

IV – مقاصد الحج الروحية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية للحج:

1 – مقاصد الحج الروحية:

  • التزود بالتقوى التي هي أفضل الزاد كما في الآية الكريمة: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
  • التوبة والرجوع إلى الله والندم على ما فات من الذنوب والعزم على عدم العودة إلى ذلك أبدا.
  • مراقبة الله في كل الأحوال وفي كل عمل يقدم عليه الإنسان.
  • تزكية النفس والروح بطاعة الله والإكثار من القربات.
  • التربية على ذكر الله في جميع الأوقات ولذلك يعد محور جميع مناسك الحج كما جاء في الآيات.

2 – مقاصد الحج التربوية:

  • إخلاص النية لله فلا يكون الهدف من الحج الرياء والسمعة.
  • تعويد النفس على تمثل الأخلاق الحسنة والابتعاد عن رذائلها.
  • الصبر والتحمل والثبات في مواجهة الشدائد مهما صعبت.
  • الإيثار والتضحية والإحسان إلى المسلمين وعدم إيذائهم ومضايقتهم خاصة في تلك الأماكن المقدسة.
  • التخلق بخلق التواضع والانكسار بين يدي الله تعالى.
  • التقرب إلى الله تعالى بترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبرورا.

3 – مقاصد الحج الاجتماعية:

الحج مدرسة ربانية للتآلف والوحدة والتعايش تحت ظل راية الإسلام، ينعقد كل سنة للتعارف والتشاور، وتزول فيه كل الفوارق المصطنعة، حيث يقف الجميع على صعيد واحد، بلباس واحد، هو لباس الإحرام، وهناك مقاصد اجتماعية كثيرة للحج، منها:

  • التعارف والتعاون وتبادل المعارف والخبرات بين المسلمين، وتحصيل المصالح ودفع المضار والتذكير بواجباتهم نحو بعضهم البعض.
  • الشعور بالوحدة والتلاحم كالجسد الواحد، وإزالة كل الفوارق المصطنعة، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
  • إشاعة روح المحبة والتسامح وتقوية الروابط الأخوية …

4 – مقاصد الحج الاقتصادية:

أباحت الشريعة للحاج أن يتاجر ويؤاجر ويتكسب وهو يؤدي فريضة الحج، كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾، ومن هنا فللحج مقاصد اقتصادية كثيرة ومتنوعة، منها:

  • كونه فرصة للقاء بين التجار والتعارف بينهم وتبادل الخبرات والصفقات.
  • كونه فرصة لعرض مختلف المنتجات الصناعية والتي يحرص الحجاج على اقتنائها.
  • تيسير وتسهيل التبادل التجاري بين دول العالم الإسلامي.
  • تنشيط وسائل النقل بمختلف أنواعها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *