التربية الاسلامية: فقه الزكاة للحذع المشترك

التربية الاسلامية: فقه الزكاة للحذع المشترك

جميع الجذوع المشتركة

مدخل تمهيدي:

قام مجموعة من التلاميذ بزيارة إلى إحدى دور العجزة بمدينتهم، ووقفوا على المجهودات المبذولة والأموال التي تنفق في هذا المشروع الضخم، فسألوا المدير عن موارد هذه الدار، فأجاب بالقول: إنها أموال المحسنين من الزكوات.

  • فما مكانة الزكاة في الإسلام؟
  • وما آثارها في تحقيق التكافل الاجتماعي؟

النصوص المؤطرة للدرس:

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾. [سورة البقرة، الآية: 43]

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. [سورة التوبة، الآية: 60]

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةَ أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ …».

[أخرجه مسلم]

دراسة النصوص وقراءتها:

I – عرض النصوص وقراءتها:

1 – القاعدة التجويدية (دراسة قاعدة الإدغام):

الإدغام: لغةً: الإدخال والمزج، واصطلاحاً: هو التقاء حرف ساكن بحرف آخر متحرك بحيث يصيران حرفاً واحداً مشدداً من جنس الثاني، له ستة أحرف مجموعة في كلمة “يرملون” (ي، ر، م، ل، و، ن)، وينقسم الإدغام إلى قسمين، هما:

  • إدغام بغنة: وهو إدغام النون الساكنة والتنوين في أحد حروف (ينمو)، ويسمى إدغاماً ناقصاً، نحو: (منْ يَعمل تدغم ميَّعمل)، (منْ وَال تدغم موَّال).
  • إدغام بلا غنة: وهو إدغام النون الساكنة والتنوين في أحد حروف (لر)، ويسمى إدغاماً كاملاً، نحو: (رجوماً لِلشياطين. تدغم: رجوملِّلشياطين)، (منْ رَسـول. تدغم: مرَّسـول).

II – توثيق النصوص والتعريف بها:

1 – التعريف بسورة التوبة::

سورة التوبة: مدنية ما عدا الآيتان 182 و129 فهما مكيتان، عدد آياتها 129 آية، وهي السورة التاسعة في ترتيب المصحف الشريف، نزلت بعد سورة المائدة، سميت بهذا الاسم لما فيها من توبة الله على النبي ﷺ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، وعلى الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، هذه السورة الكريمة من السور المدنية التي تعني بجانب التشريع، وهي من أواخر ما نزل على رسول الله ﷺ، لهذه السورة الكريمة هدفان أساسيان إلى جانب الأحكام الأخرى، هما: بيان القانون الإسلامي في معاملة المشركين وأهل الكتاب، وإظهار ما كانت عليه النفوس حينما استنفرهم الرسول ﷺ لغزو الروم.

2 – التعريف بابن عباس:

ابن عباس: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، صحابي جليل، وابن عم النبي ﷺ، حبر الأمة وفقيهها وإمام التفسير وترجمان القرآن، ولد بشعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان النبي ﷺ دائم الدعاء له، ولما توفي الرسول، ﷺ كان له ثلاث عشرة سنة فقط، ومع ذلك فقد حفظ 1660 حديثا أثبتها البخاري ومسلم في صحيحيهما، تُوفّي بالطائف عام 68 ﻫ.

III – فهم النصوص:

1 – مدلولات الألفاظ والعبارات:

  • حق معلوم: قدر محدد.
  • السائل: من يمد يده للسؤال بدافع الحاجة والفقر.
  • المحروم: الذي حرم الصدقة لتعففه عن السؤال مع حاجته.
  • الزكاة: فريضة مالية تجب على كل من ملك النصاب.
  • في الرقاب: في فكاك الأرقاء أو الأسرى.
  • الغارمين: المدينين الذين لا يجدون قضاء.

2 – المضامين الأساسية للنصوص:

  • تدل الآية الكريمة على أن الزكاة واجبة كوجوب الصلاة متى توفرت شروطها.
  • تبين الآية الكريمة بعض الفئات المستهدفة باعطائها الزكاة كاليتامى والمحتاجين …
  • يبين الحديث الشؤيف منزلة الزكاة باعتبارها فريضة مالية تؤخد من الأغنياء وتمنح للفقراء.

تحليل محاور الدرس ومناقشتها:

I – حقيقة الزكاة في الإسلام:

الزكاة: لغة: معناها الطهارة والبركة والنماء، سمى الله الصدقة المفروضة زكاة لأنها تطهر النفس من الذنوب ومن أرجاس البخل والقسوة والطمع والأثرة و تزكية النفس أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية والعلمية حتى تكون بها أهلا للسعادة الدنيوية والأخروية، والمزكي: من يخرج عن ماله الزكاة، وهو أيضاً: من له ولاية جمع الزكاة، والزكاة وشرعا: هي عبادة مالية فرضها سبحانه في مال الأغنياء لصالح الفقراء بشروط محددة يتقرب بها إلى الله سبحانه امتثالا لأمره وطاعة وتعبدا.

II – فرضية الزكاة في الإسلام:

إيتاء الزكاة كان مشروعاً في ملـل الرسل والأنبياء السابقين، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾، وقد شرع للمسلمين إيتاء الصدقة للفقراء منذ العهد المكي، كما في قوله تعالى: ﴿لا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۩ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۩ فَكُّ رَقَبَةٍ ۩ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۩ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۩ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾، وبعض الآيات المكية جعلت للفقراء في أموال المؤمنين حقاً معلوماً، كما في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ۩ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾، إلا أن الفرض النهائي للزكاة وقع بعد الهجرة، لاتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة، والآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف، فقد ثبت مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، ثُمَّ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ».

III – أهمية الزكاة ومنزلتها في الإسلام:

الزكاة شعيرة من شعائر الإسلام، وركن من أركانه، وهي واجبة كوجوب الصلاة، قرنها الله بها في ستة وعشرين موضعا في القرآن الكريم، وهي فرض عين على من توافرت فيه شروط وجوبها، ثبت ذلك بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين، وهي ليست تفضلا أو إحسانا بل أبعد من ذلك، فالزكاة نظام إسلامي، حق للجماعة تؤدى في جميع الأحوال حتى ولو لم يوجد فقير في المجتمع، لتكون رصيدا ينفق منه عند الحاجة والاقتضاء كمورد عام من موارد الدولة الإسلامية.

IV – الأبعاد التربوية والاجتماعية والاقتصادية للزكاة:

لقد جاءت نصوص كثيرة في القرآن والسنة تحذر من اكتناز المال، ومنع حق الله فيه، لما ينتج عن ذلك من البخل والجشع والشح والأنانية، وعدم الإحساس بمعاناة الآخرين من الفقراء والمحتاجين، ومن هنا كانت فريضة الزكاة تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأبعاد التربوية والاجتماعية والاقتصادية، نذكر منها:

أ- الأبعاد التربوية للزكاة:

  • تطهير النفس من داء الشح والبخل الذي حذر منه القرآن وذمه، واقتلاع هذا الخلق الذميم من النفوس، وتدريبها وتربيتها على البذل والسخاء والإنفاق، وتعويد القلب واليد على ذلك حتى يصبح عادة من عاداته، فينتصر المسلم على نفسه، ويحررها من عبودية الدرهم والدينار، فتطهر النفس وتزكو في مدارج المحسنين.
  • التقرب إلى الله سبحانه، والطمع في رضاه وجنته.
  • تحقيق شكر نعمة المال، والاعتراف بفضل الله تعالى، ورجاء البركة والزيادة منه سبحانه.

ب- الأبعاد الاجتماعية للزكاة:

  • التخفيف من مشكلة الفوارق الاجتماعية وإعادة التوازن إلى المجتمع.
  • القضاء على ظاهرة التسول والتشرد بتشغيل القادرين وضمان المعيشة للعاجزين.
  • تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع بمختلف الطبقات.
  • تحقيق التآلف بين القلوب وخاصة بين الفقراء والأغنياء.
  • تحقيق الرعاية الاجتماعية للفئات المهمشة وذوي الاحتياجات الخاصة والتخفيف من آلامها.

ج- الآثار الاقتصادية للزكاة:

تحقيق التنمية الاقتصادية المثلى للمجتمع، باعتبار أن الزكاة تعتبر موردا أساسيا من موارد بيت المال (الخزينة العامة)، والتهرب من أدائها أو الغش فيها نادر الحصول لأنها عبادة وقربة وتزكية، والفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة العظيمة، وإقامة هذا الركن وإن فرطت الدولة في المطالبة بها، أو تقاعس المجتمع عن رعايتها، لأنها قبل كل شيء عبادة وقربة وتزكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *