الصين: قوة اقتصادية صاعدة – 2 –

الصين: قوة اقتصادية صاعدة
الثانية باك آداب وعلوم انسانية ولغة عربية تعليم أصيل
النموذج الثاني

مقدمة:

تعتبر التجربة الصينية نموذجا للدول النامية التي حققت إقلاعها الاقتصادي وتكوين قوة اقتصادية صاعدة منافسة للقوى الاقتصادية الكبرى في العديد من الميادين. وقد استفادت في تحقيق ذلك من مؤهلات طبيعية وبشرية والاعتماد على اقتصاد السوق والانخراط في العولمة. ورغم هذا التطور، فالاقتصاد الصيني يواجه مجموعة من المشاكل والتحديات.

فما مظاهر النمو الاقتصادي للصين؟ وما العوامل والأسس المفسرة للإقلاع الاقتصادي الصيني؟ وما المشاكل والتحديات التي يواجهها الاقتصاد هذا البلد؟

  يتجلى النمو الاقتصادي الصيني في عدة مظاهر:

1-  على المستوى الفلاحي:

تتجلى خصائص التطور الفلاحي بالصين في: تنظيم المجال الفلاحي واتساع نسبة الأراضي المزروعة وتعدد المنتوجات الزراعية وتربية الماشية إضافة إلى احتلال الصين لمراتب متقدمة في عدد من المزروعات (المرتبة الأولى عالميا في القمح، الذرة، القطن، الخضروات والشاي) فضلاً عن احتلال البلاد للمراتب الأولى عالمياً في تربية الأغنام والخنازير وفي الصيد البحري.

2-  على المستوى الصناعي:

تتجلى مظاهر قوة الصناعة الصينية في تعدد المناطق الصناعية مع ظهور مناطق حديثة التصنيع، وبروز واجهة صناعية منفتحة على الخارج، إضافة إلى التطور الكبير الذي عرفه الإنتاج الصناعي لعدد من المواد ما بين 1949 و2000م، فضلاً عن احتلال المنتوجات الصناعية الصينية لمراتب متقدمة على المستوى العالمي ( المرتبة الأولى في إنتاج الصلب وخيوط القطن والنسيج الاصطناعي ولعب الأطفال والأحذية). دون نسيان أهمية مساهمة الصناعة في الناتج الإجمالي الداخلي الخام للبلاد (%52,1).

3-  على المستوى التجاري:

يظهر تطور التجارة الصينية في تطور قيمة المبادلات الخارجية للصين في السنوات الأخيرة بأكثر من %300، وتطور صافي الميزان التجاري مع العالم من 12 مليار دولار سنة 1995م إلى 95 مليار دولار سنة 2005م، إضافة إلى الانفتاح المتزايد للصين على مختلف القارات والبلدان بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

يفسر النمو الاقتصادي الصيني بعدة عوامل:

1-  العوامل الطبيعية:

يلعب الوسط الطبيعي دوراً مهما في تطور الاقتصاد الصيني، ويتجلى ذلك في:

* امتداد مهم للسهول الصالحة للنشاط الفلاحي، رغم اختلاف خصوبة التربة من منطقة لأخرى، فهي خصبة في المناطق الشمالية ومتوسطة الخصوبة بالوسط والجنوب وضعيفة في المناطق الغربية من الصين.

* تنوع مناخي يتيح إمكانيات متعددة للنشاط الفلاحي، فالصين تتوفر على مناخات متنوعة تتدرج من المناخ القاري شمالاً إلى المناخ المداري الرطب جنوباً.

* توفر الصين على أنهار كبيرة (الأصفر، الأزرق، السي كيانغ…) وخطيرة (الفيضانات) إلا أنها تشكل ثروة مائية مهمة يمكن استغلالها في الميدان الفلاحي (السقي) وفي ميدان الصناعة (إنتاج الطاقة الكهربائية).

* توفر الصين على ثروات طاقية ومعدنية مهمة ومتنوعة (الفحم، البترول، الكهرباء، الزنك والرصاص) تخدم السياسة الصناعية الصينية.

2-  الأسس البشرية:

تلعب المقومات البشرية دوراً مهما في بناء القوة الاقتصادية بالصين إذ تتوفر هذه الأخيرة على إمكانيات بشرية كبيرة تتمثل في اعتبارها أكبر تجمع سكاني في العالم (1 مليار و300 مليون نسمة) وهو ما يوفر للبلاد موارد بشرية كافية ومؤهلة علمياً وتقنياً ( 1 مليون تقني ومهندس سنة 2001م )، إضافة إلى تطور نفقات البحث العلمي والتنمية بالصين مقارنة ببعض البلدان النامية، دون نسيان نجاح سياسة تحديد النسل الإجبارية.

3-  ساهمت العوامل التنظيمية والتقنية في تطور الاقتصاد الصيني:

–  العوامل التنظيمية: مر التنظيم الاقتصادي في الصين بمرحلتين هما:

مرحلة التنظيم الاشتراكي

فترة ماو تسي تونغ (1949 – 1976).

مرحلة الإصلاحات والانفتاح على اقتصاد السوق

فترة دينغ كيسياوبينغ (سياسة الانفتاح منذ1978م).

 القضاء على النظام الإقطاعي وبناء الاقتصاد الصيني على أسس اشتراكية، وذلك من خلال:

*  تأميم وسائل الإنتاج: الأراضي، الغابات، المناجم، مصادر الطاقة، المصانع، المؤسسات التجارية…

*  إعادة تنظيم الفلاحة في إطار تعاونيات كبرى:

«الكومونات الشعبية».

*  الاعتماد على سياسة التخطيط الاقتصادي المركزي وإعطاء الأولوية للصناعات الأساسية والتجهيزيـــة: الصلب ، إنتاج الآلات والأدوات…

* إتباع سياسة  «القفزة الكبرى إلى الأمام»  بغية تحقيق الإقلاع الاقتصادي اعتمادا على صناعة الحديد والطاقة البشرية وتنفيذ الأشغال الكبرى: السدود، الطرق، السكك الحديدية…

* تطبيق سياسة  «المشي على قدمين»: أي الفلاحة والصناعة معاً لتطوير الاقتصاد الصيني.

 نهج سياسة اقتصادية جديدة للتنمية بإدخال بعض الإصلاحات الليبرالية على الاقتصاد والانفتاح على الخارج، وذلك من خلال:

* تفكيك أراضي الكومونات الشعبية وتحويلها إلى مستغلات عائلية أو مختلطة…

* السماح بالملكية الخاصة للأراضي ولوسائل الإنتاج.

* إقامة مقاولات فلاحية مختلطة بين الدولة والخواص.

* تحديث الاقتصاد الصيني باستيراد التكنولوجيا الغربية: الآلات، الأسمدة…والاستعانة بالخبرة الغربية.

* تخفيف احتكار الدولة للنشاط الاقتصادي، والسماح بإنشاء مقاولات خاصة في قطاعي الصناعة والتجارة.

* إعادة تنظيم مقاولات الدولة بمنحها الاستقلال المالي والإداري.

* تشجيع المبادلات التجارية مع الخارج.

* إعطاء حوافز لجلب الاستثمارات الأجنبية إلى الصين.

استفاد الاقتصاد الصيني إذن من الإصلاح والانفتاح على العالم الرأسمالي منذ سنة 1976م وذلك بـ:

– تراجع الدولة على مستوى الإنتاج.

– ظهور المؤسسات المختلطة ذات الرأسمال الصيني والأجنبي.

– تحرير المنتوجات الفلاحية وتشجيع الصناعات التصديرية.

–  الانضمام إلى المؤسسات المالية الدولية (“البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي”) للاستفادة من القروض، و إلى “منظمة التجارة العالمية” لجلب الاستثمارات.

– العوامل التقنية:ساهمت المكننة والتقنيات العصرية وبرامج التحديث بشكل كبير في تطوير الفلاحة، ومن جانبها استفادت الصناعة من نفس التقنيات المتطورة إلى جانب البحث العلمي و جلب الاستثمارات الأجنبية. كما ازدهرت التجارة بحكم سياسة الانفتاح والاستثمارات الأجنبية.

 تواجه اقتصاد الصين مجموعة من المشاكل والتحديات:

1-  تؤثر في الاقتصاد الصيني مشاكل وتحديات سكانية سوسيو اقتصادية:

 سكانياً: تعرف الصين تضخما في عدد السكان أثر سلبا على الاقتصاد مما دفع البلاد إلى اللجوء إلى نهج سياسة تحديد النسل (الطفل الوحيد). وإن كان لهذه السياسة دور كبير في تقليص وتيرة النمو الديموغرافي، فإنها أدت إلى تزايد نسبة الشيخوخة في المجتمع وهو ما سيؤدي إلى تقلص اليد العاملة في المستقبل.

 اجتماعياً:  تعرف الصين تفاوتا في الوضعية السوسيو اقتصادية للسكان ترتبت عنه نتائج سلبية: مثل التفاوت بين سكان البوادي والمدن من حيث معدل الأمية والدخل الفردي ونسبة الفقر، وهو ما يؤدي إلى هجرة سكان البوادي نحو المدن.

اقتصادياً: تعرف الصين نقصا في بعض المواد الأولية والطاقية، فحاجات الصين لهذه المواد تتزايد بحكم التطور الذي تشهده الصناعة. ولضمان التزود بهذه المواد لجأت الصين إلى عقد اتفاقيات مع دول أجنبية، وهذا ما يجعل الاقتصاد الصيني مرتبط بالخارج  وبالتالي يتأثر بشكل كبير بعدم استقرار السوق العالمية.

رغم النمو الاقتصادي الذي عرفته الصين لازال مستوى التنمية البشرية متوسط ومتفاوت بين المدن والقرى الصينية.

2-  تعترض الصين مشاكل وتحديات مجالية وبيئية:

نلخص هذه المشاكل والتحديات فيما يلي:

*  التباين الإقليمي:  تعرف الصين تفاوتا في تنظيم المجال بين المناطق الشرقية والغربية، ويتجلى ذلك في:

المناطق الشرقية الساحلية المناطق الغربية الداخلية
تهيمن على %90 من التجارة و%85 من الرساميل الأجنبية و%59 من الإنتاج وتضم فقط %41 من السكان و%14 من المساحة. مناطق أقل نمواً رغم كونها تمثل%86 من المساحة و%59 من السكان فهي لا تساهم سوى بـ %42 من الإنتاج و%10 من التجارة الخارجية، ولا تضم إلا %15 من الرساميل الأجنبية.

*  ضعف نسبة الأراضي الزراعية %7 والتي أصبحت مهددة بسبب تحسن مستوى عيش السكان والتمدين السريع مما أدى إلى تقلص مساحات الغابات والأراضي الزراعية.

* تعدد إكراهات الوسط الطبيعي: الفياضانات، الأعاصير، تكرار حالات الجفاف، إضافة إلى تلوث الهواء والماء بفعل التصنيع الكثيف

خسارة الاقتصاد الصيني ما بين %2 و%3 من الناتج الداخلي الخام.

خاتمة:  إن النمو الاقتصادي الذي حققته الصين في السنوات الأخيرة ينتظر أن يستمر لسنوات أخرى، وهو ما سيعزز التحول الجذري للاقتصاد وسيزيد من تحسن مداخيل الأسرة وتراجع عدد الفقراء في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *